الكلام عن الدورة الشهرية يدخل أحياناً في مناطق «التابو» في تصنيف المجتمع اللبناني والعربي، ورغم الانفتاح الذي تشهده بعض العائلات، ورغم انتشار وسائل الاتصال والمعرفة بشكل كبير، إلاّ أن توعية الفتاة على مرحلة البلوغ لا يُعدّ أمراً أساسياً بالنسبة إلى الأهل، وما على الفتاة إلاّ أن تواجه تغييرات جسدها بجهلٍ كبير
نيفين حمادة
تقول أهيلة الحسيني (24عاماً) إنها لم تجد من يشرح لها ما الذي ينتظرها، وتتذكر أنها في المدرسة لم تفهم شيئاً من الشروحات المخصصة للفتيات عن الدورة الشهرية، حيث كانت تُوزّع فوط صحية، تحملها أُهيلة وتقول للصبيان في الصف «انظروا ماذا أعطونا ولم يعطوكم»، حين تذكر أُهيلة هذه الحادثة تضحك كثيراً، ولكنها تؤكد أن «الحق على أمي التي لم تخبرني شيئاً». سمية حميد (26 عاماً) «فاجأتها الدورة الشهرية» وهي في الحادية عشرة، انتابها الفزع، «خرجت مثل المجنونة أنادي أبي وأخبرته عن نزيف ما يحصل لي، وأني سأموت، فأجابني بسرعة اذهبي إلى أمك».
تقول زينة المقداد (18 عاماً) «في عمر 12 عاماً، كانت مرحلة البلوغ، ولكنني ارتعبت وشعرت بما يشبه صدمة نفسية، كرهت نمو ثديي، وصرت كلما أتى موعد الدورة الشهرية أحبس نفسي وأبكي، وأفكر في الانتحار، تمنيت أن أصبح رجلاً».
تقول المعالجة النفسية نادين لحود إن «الناس في مجتمعنا، وخصوصاً النساء، يواجهون العادة الشهرية عند الفتاة كأنها «تابو» لأنها مرتبطة بالحالة الجنسية والعضو التناسلي لدى المرأة»، ويلقبون الفتاة بـ«المريضة»، فيما العادة الشهرية لا ترتبط بالمرض أبداً. تُحمّل هذه الدورة الكثير من الغموض والأسرار والآلام، ويصاحب الكلام عنها غمزات وهمسات تنتشر بين النساء مرفقة بتعابير كـ«عيب» و«يا حرام مريضة»، إضافة إلى قائمة طويلة من الممنوعات.



تفيد الطبيبة النسائية خولة الشيخ علي بأن سن البلوغ يتراوح عند البنات بين العاشرة والخامسة عشرة. التغيير الجسدي الأول تعيشه الفتاة في عمر الثامنة تقريباً، فيزيد نمو الجسم والشعر، إضافة إلى نمو الثديين وزيادة الوزن وتغير في صوت البنت تجاه الطبيعة الأنثوية، امتلاء الجسم واستدارة الأجزاء الخاصة بالأنثى.
وتؤكد الشيخ علي أن أول ما ينتاب الفتاة بمجرد ظهور علامات البلوغ، إذا لم تكن مهيّأة لهذه المرحلة، هو الشعور بالصدمة، والخوف والقلق بسبب فقدان التفسير المنطقي للوضع الجديد، هذا الشعور قد يؤدي إلى نوع من العزلة والحزن، مما ينذر بتحوله إلى اكتئاب مزمن، أو تأنيب الضمير. وفي إطار الحديث عن تغيّر السلوكيات، يمكن الحديث عن مجموعتين من الفتيات، الأولى هي مجموعة الفتيات اللواتي يملن إلى الخجل والانطواء كي لا يلاحظ أحد ما طرأ عليها من تغيير جسماني، وخصوصاً الأقربين كالأب والإخوة، أما المجموعة الثانية فهي تضم الفتيات اللواتي يزداد لديهن الإحساس بالأنوثة وحب الظهور والعمل على لفت الأنظار إلى التغيير الذي طرأ عليهن.
وتنبه الشيخ علي إلى أن جسم الفتاة في هذه المرحلة يعيش مرحلة نضوج، فتعتقد صاحبته أنها صارت في غنى عن مشورة الأهل، «لذلك يجب إفهامها أن البلوغ هو أول مراحل النضج». وتؤكد الشيخ علي أن الفتاة في هذه المرحلة تحتاج إلى من يسمعها ويجيب عن أسئلتها، وعلى الأم أن تُعرّف ابنتها على جسدها الجديد وتجعلها تتقبله، وذلك بشرح وظيفة أعضاء الجسد.
تشدد لحود على أهمية تهيئة الفتاة لما ستعيشه خلال فترة البلوغ، بذلك ينتفي عنصر المفاجأة أو الصدمة عند البلوغ، فإذا عاشت الفتاة صدمة فستتغير علاقتها بمحيطها. وتضيف لحود «على الأم أن تعامل ابنتها بحنان واهتمام ولا توبخها على كل أفعالها، ولا تهزأ من بعض تصرفاتها حتى لا تفقد الفتاة ثقتها بنفسها». نفهم ردود فعل الفتيات تجاه الدورة الشهرية الأولى، ولكن إنكار بعض الأمهات أو رفضهن لهذا الأمر يعني، برأي لحود، أن الأم نفسها لم تتصالح مع أنوثتها الشخصية، تشعر الام بأن نضوج الابنة يجعلها تقترب من الشيخوخة، وفي هذه الحالة تصير الفتاة عدائية تجاه أمها، ويتولد عندها شعور بالخوف من النضوج والزواج والارتباط، ولاحقاً تتحول إلى امرأة قاسية مع أولادها، هنا تجد نفسها وقد صارت تشبه أمها كثيراً. تؤكد الشيخ علي أن الفتاة تتقبل جسدها وتغيّراته بسهولة إذا كبرت في حضن أبوين منفتحين. ومن جهتها، تصر لحود على أنه «يتوجب على العائلة أن تتقبل نضوج ابنتها، خصوصاً إذا كانت البكر، لأن نضوج باقي الفتيات في العائلة سيكون أسهل، وعلى الأب ألا يغيير أسلوب تعامله كي لا تظن أنها ترتكب خطأً».
تقول لحود إن عمر توعية الطفل، والفتاة خصوصاً، عن البلوغ والجنس، تحدده الفتاة نفسها، فهي تعطي إشارات من خلال أسئلتها المتمحورة حول الموضوع «الفتاة تسأل يعني أنها تفكر في الموضوع، وعلى الأم أن تقود هذا التفكير وتوجهه فتبدأ بتوعية ابنتها على البلوغ والتغيرات الجسدية، وبعدما تكوّن الابنة فكرة متواضعة عن الجنس تربط البلوغ بالجنس فتظهر لديها الصورة كاملة»، وتنصح لحود الأهل بأن يعرّفوا أولادهم على الجنس تدريجياً قبل تعريفهم على البلوغ، فأسئلة الأطفال عن الجنس تسبق أسئلتهم عن البلوغ.
وتذكّر الشيخ علي بأن المراهقين يعيشون تغييرات في الهرمونات ونقصاً في الوعي «مما يدخلهم في تجارب غير محبذة، لا يجدر منع الفتاة من الاختلاط مع محيطها الذكوري من الأصدقاء، بل يجب تنبيهها إلى تغيير بعض التصرفات الطفولية»، في الوقت عينه تحذّر الشيخ علي من سلوكيات خاطئة يعتمدها الأهل، فيمنعون الابنة من ممارسة رياضات وألعاب كانت تمارسها قبل مرحلة البلوغ «يجب أن يكون نضوجها مبرمجاً، وأن تتخلى عن بعض عادات الطفولة ولكن تدريجياً».


مارغريت ميد الباحثة الأميركية في علم الاجتماع تؤكد أن النمو الجنسي في المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات، لكن النظم الاجتماعية الحديثة هي المسؤولة عن أزمة المراهقة والبلوغ، لأنه في المجتمعات البدائية تختفي مرحلة المراهقة وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشد مباشرة