جيزيل خلفنظّمت جمعية ممارسي النفس علاج والاستشارات النفسيّة في لبنان أخيراً حلقة دراسية بعنوان «العنف هجوم ودفاع»، أُقيمت الحلقة ليومين في قصر الأونيسكو في بيروت. وشارك فيها أكثر من عشرين معالجاً نفسياً وأستاذاً في الجامعة اللبنانية، واستقى معظم المتحدثين طروحاتهم من خلال دراسات أعدت خصيصاً لهذة الحلقة وتناولت مختلف مظاهر العنف، وعالجت أسبابه البيولوجية ـــ الدماغية والاجتماعية.
العنف ضد الأطفال المتعدد المظاهر، قد يكون عنفاً «كلامياً» أو جسدياً، أما العنف في المدارس فيُربط بالمعرفة والتعليم المدرسي، مع ذكر مسؤولية المدرسة حيال العنف والتدابيبر اللازمة للحد من هذه الظاهرة وتأثيرها على الأطفال. وفي الإطار نفسه طرحت رئيسة الجمعية نجاة إبراهيم مسألة عنف الآباء وسادومازوشية الأبناء.
ولقد تحدثت مي جبران عن موضوع الرغبة والجنساوية بين العدوانية أو العنف، طارحة جوانب مهمة عن علاقة الرجل والمرأة والمشاكل الجنسوية ومظاهر العدوانية التي غالباً ما تمارس ضد المرأة، وقد استشهدت جبران ببعض الحالات التي تسنّى لها الاطلاع عليها.
وأتت الحلقة على ذكر العنف الانفعالي والعنف كظاهرة نلحظها من خلال فعل الإسقاط، ولا سيما بين المحبين. ومن أهم جوانب ظاهرة العنف التي قدمتها الحلقة الدراسية مسألة صمود اللبنانيين كظاهرة نفس ـــ اجتماعية تُعالج من خلال زوايا ثلاث وهي: البنية الاجتماعية اللبنانية، والثقافة اللبنانية وتاريخ لبنان، كونها طاقة صمود مبتورة لا تتزامن مع وعي سياسي وطني، الأمر الذي يجعلها عُرضة للتآكل.
المداخلات طاولت العنف السياسي الذي يتمثل في السجن والاغتيال والمذابح والاضطرابات الأهلية والحروب الدينية، وقد عرض تحليل للخطاب العربي وسط فكرة الإرهاب الأميركي بين مندد ومدافع أو محايد.
متابعة هذه الحلقة سمحت بالاطلاع على تحليلٍ للمجال اللبناني الغنيّ من جهة، الذي يعيق التطور النفسي الفردي والنفسي الاجتماعي، ما يجعل اللبنانيين في حالة قلق وبحث عن الهوية وعن صورة الأنا، وصورة الآخر، ما يعكس ظاهرة العنف التي تتجلّى في مظاهر سلوك أفراد هذا المجتمع في شتى نشاطاتهم.
وطاولت الحلقة العنف بأبعد من معانيه الملحوظة، فقد أتت على معالجة العنف الرمزي كشكل من أشكال العنف الذي يظهر في مختلف التفاعلات الاجتماعية. ولم ينس المشاركون قضية الاختفاء، كونها تمثل أبشع أنواع العنف، وقد عولجت القضية من خلال دراسة شملت عيّنة من أمهات المختفين في فترة الثلاثين عاماً الأخيرة دون محاكمات، فدُرست التأثيرات النفسية الناجمة عن فعل الاختفاء.
الحلقة طرحت إشكالية المجتمع الذكوري من خلال قراءة نفس ـــ اجتماعية في محاكمات قتلة النساء أمام القضاء اللبناني، ليتبين أن العنف تجاه المرأة إنما هو مقدس موروث اعتادت عليه الأسرة الشرقية وفق معادلة قوامها أن الرجل يسعى إلى إثبات ذكوريته المطلوبة منه، فيما هي أداة يسيطر بها على المرأة وعلى سلوكها الجنسي الذي يحدد مصير حياتها. وعلى صعيد آخر، تطرّق المعالجون إلى موضوع السجون والصدمات النفسية الناتجة من التعذيب الذي يتعرض لها المساجين، ولا سيما السياسيين في لبنان ودول أخرى حسب الدراسة التي عرضتها الحلقة التي أتت على لحظ أساليب العدوانية حيناً والدفاع حيناً آخر لدى المصابين بأمراض سرطانية.