فادية حطيطهي جلسة دافئة جمعتنا أنا وصديقتي في مقهى صغير. أخذتنا الأحاديث إلى مناطق مختلفة، وتطايرت من بين الكلمات أحلام ومشاريع، تتعلق بنا وبأطفالنا وببيوتنا. ثم وككل الجلسات النسائية الدافئة، كان لا بدّ من أن نتكلم في ما هو حميمي. الحميمي لدى النساء ليس سرياً، ولكنه فقط يتطلب بعض الدفء وبعض الصمت. قالت لي إنها تشعر بأنها غير سعيدة، وأن زوجها لا يفهمها، وأنه أناني لا يهتم سوى بنفسه، وأنه لا يصغي حين تتكلم.
كانت صديقتي حزينة، وشيء من المرارة يتسلل بين كلماتها. وقالت إنها لا تعرف ماذا تفعل. لا تشعر بأنها سعيدة بالبقاء معه ولكنها أيضاً لا تمتلك الجرأة لتهديم شيء استغرقت وقتاً لتعميره. وخصوصاً أن الأمر ستكون له انعكاسات سلبية على الأبناء، كما أنها لن تسلم من أعين المحيط ولا لسانه.
أخبرتني صديقتي أيضاً أنها تزوجته عن حب، وأنهما تعاهدا على المشاركة في كل شؤون الحياة. غير أن الأمور اختلفت ما إن أنجبا أول طفل. هي غرقت في بحر من المهمات غير المنجزة، ما بين عملها وبيتها وترتيب شؤون طفلها. أما هو فكانت مساعدته محدودة وكثيراً ما كان يتهرب بحجة مسؤولياته في العمل. ثم مع الولد الثاني شعرت بأن المسافة تتسع أكثر. أعباؤها زادت ومساعدته قلّت. الأوقات التي يجلسان فيها معاً صارت نادرة، ثم إنها صارت وقتاً للمشاجرة، فأخذ يتجنبها. وأضافت أن الأمور المادية أيضاً صارت تضغط عليهما بسبب ازدياد أعباء الأسرة.
تكلمت صديقتي كثيراً، وصارت المشكلات تتفرع كما لو أنها شجرة كثيرة الأغصان. وأنا احترت ماذا أقول لها. خجلت أن أقول لها وهي شديدة التأثر إن ما تتكلم فيه هو اعتيادي لدرجة مملة، وليس فيه ما يقال. فالزواج تجربة صعبة ويزيدها صعوبة مجيء الأولاد، وكل المتزوجين يستطعيون كتابة مجلدات في موضوع الصراع الذي خاضوه مع شركاء حياتهم.
هي كانت تتكلم وأنا كنت أصغي. ثم أخرجت من حقيبتها ورقة وقالت لي إنها كتبت له رسالة وأعطتني إياها لأقرأها. فقرأت «زوجي العزيز. حتى لا تذهب دموعي المنسكبة الآن هدراً... فتأتي غداً، وأفعل ما أفعله دائماً، أقول في نفسي لا بأس مرة أخرى، والغد جميل والمهم الأولويات، وأولى الأولويات الأولاد والبيت... حتى لا أفعل هذا ولا أقول لنفسي هذا وأقرر أن الأفضل ألا أعبر عن غيظي وعن غضبي وعن قهري... أكتب لك الآن لتقرأ...
لا يحق لك أن تتصرف وكأن لا شيء يهم سوى عملك ومهنتك. ولا يحق لك أن تفكر بأن الأهم هو أن تبقى سائراً لا يعيقك لا امرأة ولا ولد ولا أي شيء...» لم أُنهِ الرسالة بعد ورن جرس الهاتف الخلوي، رفعت صديقتي الهاتف وقالت بحنان «آلو هاي حبيبي، ما أخبارك؟ نعم، نعم، أنتظرك في البيت مساءً. أوكي باي حبيبي».
بالتأكيد لم تكن صديقتي تخترع المشكلات في جلستنا الدافئة تلك. وهي أيضاً لم تكن تكذب حين تكلمت مع زوجها بمثل تلك الرقة. إنها حالة تكاد تكون عمومية، إلى درجة أنه يمكن تعريف الزواج اليوم بأنه مجموعة مشكلات، ورقّة، وعدم قرار.