إدكار طرابلسيتُمجّد «النخبة» Elite في المجتمع من الجميع، على أساس أنّها الجماعة الأفضل بين الناس. فالنُّخَب لها هالات من العظمة يحترمها الناس حتّى ولو لم يعرفوا حقيقة أصحابها. القواميس تُعرّف «النُّخبَة» بالجماعة المُميّزة أو بالصفوة الخّاصّة. أمّا المفهوم السوسيولوجي للنُّخبة فهو أنّهم عدد قليل من الأشخاص الذين يتمتّعون بمواقع سياسيّة أو قياديّة متقدّمة ويحكمون الأكثريّة المؤلّفة من عامّة الشعب. وبين هؤلاء من ينال موقعه بالولادة والنسب، ومنهم من يناله بشرائه، أو بفرضه بالقوّة. ميّز الفيلسوف والعالم فيلفريدو باريتو (1848ـــ1923) بين فريقين من النخبة، فريق الذين يَحكمون وفريق الذين لا يحكمون. ويُجاهد الذين يحكمون في المحافظة على مكانتهم، بينما ينتظر الذين لا يحكمون إلى أن يتعب الذين يحكمون أو يُكثِروا من إساءة الحكم ليثوروا ضدّهم ويأخذوا مكانهم.
وقد تكون النخبة ثقافيّة أو مهنيّة أو ماليّة أو دينيّة أو تربويّة أو إعلاميّة أو فنيّة لا تبغي الحكم، لكنّها من دون أن تدري تؤثّر في سير المجتمع وتضغط على الحكّام في آن. ويكون هؤلاء من المُجلّين في حقولهم ويتمتّعون بالمواهب والحكمة وجمال الطلعة والمهارات والعلم والمال والخدمات الاجتماعيّة والإنسانيّة. وغالباً ما يكون هؤلاء النخبة أقليّة يُكوّنون طبقة تظنّ نفسها أعلى من غيرها من طبقات المجتمع، وبالتالي يحقّ لها التمايز عن باقي النّاس، وهكذا تولد الأرستقراطيّة (النبلاء، الطبقة العليا) والأوليغارشيّة (جماعة قليلة تحكم وهمّها الاستغلال وتحقيق المنافع الذّاتيّة) التي تدّعي حقّها بقيادة المجتمعات.
ويطول الكلام على النخبة التي تشغل بال النّاس لما لها من حضور في الإعلام، ويُظنّ أنّ أعضاءها هم حقّاً نخبة أخلاقيّة مثاليّة تُحتذى. أمّا من يدخل حياتهم ويتفحّصها فيرى كم أنّه مخطئ وموهوم. فالكثير من النخبويّين يحيون حياة لا أخلاقيّة، مُحبّين للمال ولأجله يبيعون القِيَم وأنفسهم ومُحبّيهم.
ولا تخفي وكالات الأنباء الحقائق بشأن النخبويّين في العالم، فهذا رئيس جمهوريّة يتحرّش بسكرتيرته، وذاك رئيس وزراء متورّط في فساد مالي بملايين الدولارات، وذاك سياسي كذّاب ويخون زوجته مع شاذّ، وذاك قائد يجرّ جيوشه لحروب القتل من أجل مصالحه الماليّة، وتكرّ سبحة القصص الّتي ذكرها قبيح جدًّا.
ولو ذهبنا إلى الفريق الذي لم يحكم بعد لرأينا أنّه ليس أحسن حالاً، والأخلاق والإيمان ليسا موجودين، والناس العاديّون لا يُحاسبون النخبة لأنّهم بدورهم متورّطون بالفساد، كلّ على مستواه. فماذا نقول عن طبيب لا يكتفي بأجره المرتفع بل يُريد أن يقبض عمولة من التاجر، وقاضٍ يرتشي، ومحامٍ يكذب، وصحافي يُلفّق الشائعات لقاء المال، وأستاذ جامعي يطلب المحظور من طالباته... أيّ نخبة هي تلك التي نُمجّدها في المجتمع اليوم! إنّها ليست أفضل من عامّة الشعب، والجميع قد أخطأوا ويحتاجون إلى رحمة الله.
لمعالجة الانبهار بالنخبة الزائفة، لا بدّ من تصفّح الكتاب المقدّس لنتعلّم من الله ألا نُحابي بالوجوه، ونقبل الذي يتّقيه ويصنع البرّ قدّامه (أعمال 10: 34ـــ35). أمّا النّخبة الحقيقيّة فهي التي تتجاوب مع اختيار الله لها لتعرفه ولتحيا أمامه بقداسة عمليّة. قليلون هم أفراد هذه النخبة في وسط مجتمع مُستهزئ بالله وبتعاليمه، لكنْ، كثيرون هم المختارون في السماء. المؤسف أنّ عدداً أكبر منهم هم في مكان آخر مع نخبويّين رفضوا الله فأعطاهم ما أرادوا، أن يكونوا بعيدين عنه حيث تساووا مع غيرهم من الّذين قضوا العمر يتمايزون عنهم.