عساف أبو رحالإن مررت يوماً بسوق ضهر الأحمر فستعود إليه، إن لم يكن للتبضع فلإمتاع النظر. كثيرون يترددون إلى السوق مرة في الأسبوع، ويعودون محملين بكل ما اشتهت عيونهم واحتاجت منازلهم. يتحدثون عنه ثلاثة أيام قبل انعقاده، وثلاثة بعد انقضائه، وفي البلدة الواقعة في قضاء راشيا الوادي، يعد الناس أيام الأسبوع على الشكل الآتي «إثنين، ثلاثاء، سوق، خميس، جمعة، سبت، أحد».
وفي السوق، يختلط الحابل بالنابل، وتمتزج أصوات الموسيقى بأصوات باعة العرانيس والخضار، فيما بائع السجاد يعرض بضاعته على حائط مرتفع قليلاً لإبراز جودتها ونوعيتها، يقاطعه جاره بائع الفلافل بصوت مرتفع «طيب يا فلافل بألف الفلافل». باعة هذا السوق ما زالوا يعتمدون على أصوات حناجرهم القوية، بعكس بعض الأسواق الأخرى حيث ترداد الكلام يتم بواسطة آلات تسجيل ومكبرات للصوت. إنها فوضى منظمة، وجمالها يكمن هنا.
باعة السوق يعرضون بضاعتهم على عربات مكشوفة، أو داخل سياراتهم، وقسم كبير منهم على الأرض، ما يسمى «بسطة». هناك بائع للملابس وآخر للأحذية، ثم باعة خضار وأدوات منزلية، ويتوزع بينهم باعة سمك وبيض ودجاج.
ويقول خليل صالح، بائع سجاد من بلدة المرج البقاعية، إنه يتردد على الأسواق الشعبية دائماً، وهو لا يملك محلاً وبالتالي لا يدفع إيجاراً أو فواتير. ووصف تجارته بأنها جيدة رغم قلة الأرباح، لأنه يبيع بضاعته بأسعار متدنية جداً قياساً إلى المحال. أما بائع الأحذية خالد أبو غوش، فحاله حال بائع السجاد، يجول في القرى والبلدات ويتردد على السوق أسبوعياً، بعض الزبائن يجادلونه ويفاصلونه رغم تدني الأسعار، لكن البيع نقداً بعكس المحال التجارية. وإلى التبضع، السوق هو محطة يتلاقى فيها الأحباب والعشاق، وكثيراً ما كانت زيارة السوق سبباً للقاء والتعارف ومن ثم الزواج.
وتختلف الضريبة المفروضة على «البسطة» الواحدة باختلاف المساحة والموقع، فالمسقوف يزيد ثمناً عن المكشوف، وتتراوح الأسعار بين 3 و15 ألف ليرة. ويقول سليمان بتديني أحد مستثمري السوق «بلغت تكلفة الضمان لهذا العام 30 مليون ليرة، تدفع للبلدية بالتقسيط، ويتراوح عدد البسطات بين مئة ومئة وعشرين، وفي أيام الشتاء يتدنى العدد، فيما تبقى نسبة المتبضعين بين 3 و5 آلاف زائر أسبوعياً».
وتجمع كل من غنوة جودية وأميرة عساف ومنى فرحات على أن السوق «أبو الفقير»، يجدن فيه معظم حاجياتهن، وبأسعار متدنية، لأن معظم السلع تُباع مباشرة من المزارع إلى المستهلك.
وأوضح رئيس بلدية ضهر الأحمر هاني جابر أهمية السوق وموقعه، وخصوصاً بعد عملية الترميم التي شهدها في عامي 2000 و2001 وقامت بها مؤسسة مرسي كور. وقال: السوق ملك للبلدية، وهي مسؤولة عنه وعن تنظيم العمل فيه. أما حق استثمار السوق فيحصل بالمزاد العلني، ومن يحصل على هذا الحق، يدفع للبلدية، آملاً أن يستعيده من الباعة أسبوعياً، وبلغت تكلفة الضمان لهذا العام 30 مليوناً.


تاريخ وجغرافيا

وتاريخ إنشاء سوق ضهر الأحمر غير معروف بالتحديد، بعضهم يقول إنه تأسس على يد الشيخ سلمان بحمد في عام 1937، وآخرون ينسبون تاريخه إلى أشخاص من آل الخوري وداوود، أي قبل عام 1925، حيث كان في بداياته مجموعة خيم، مثّلت ملتقى للتبادل التجاري بين تجار لبنان وسوريا وفلسطين، وبقي على هذا النحو لغاية احتلال فلسطين، بعدها تحوّل إلى حركة تجارية محلية بسبب اتفاقية سايكس ـــ بيكو. لا تقتصر الأسواق الشعبية في لبنان على منطقة واحدة، بل تتعداها لتطال كل المناطق، فيوم الاثنين لبلدة المرج، والأربعاء في ضهر الأحمر، والخميس في غزة، والسبت في جب جنين، أما الأحد فقرب نقطة المصنع الحدودية.