إلى جانب الهواجس التي يعانيها الشباب اللبناني عموماً، تتكوّن لدى الأرمن منهم هواجس إضافيّة. تتمحور هذه الهواجس حول علاقتهم بلغتهم الأمّ، موقفهم من العودة إلى «الوطن»، وتصل حتّى إلى حياتهم العاطفيّة
هاني نعيم
استطاع الشباب الأرمن، على اختلافاتهم الايديولوجيّة والسياسيّة، تكوين هويّة تمزج الأرمني باللبناني، حيث يتداخل الإرثان بانسجام غير منفّر يمكن تسميته «الانتماء المزدوج»، يختصره أحد الشباب الأرمن بالقول: «أرمينيا هي الأم، ولبنان هو الأب».
لا يختلف الشباب الأرمن حول أولوية أحد هذين الإرثين على الآخر إلا لماماً. فيرى الموظف في أحد البنوك والناشط في حزب الطاشناق، رافايل اندونيان (26 سنة) أنّ أرمينيا هي تاريخ وثقافة يرتبط بها عاطفياً، فيما «لبنان وطن احتضننا وقدّم إلينا المساعدات». ويؤكد أنّه لا تناقض بين «اللبنانية والأرمنيّة». يتفق طالب العلوم السياسية في جامعة هايغازيان فاهان (23 سنة) مع رافايل ويقول «أرمينيا بلدي الأم، ولكنني ولدت في لبنان وتربّيت فيه وأؤسس حياتي هنا». أما الطالبة في معهد الكفاءات ليزا يوسف (22 سنة)، فترى أنّ لديها إحساساً مزدوجاً بالانتماء. في المقابل، يرى المحامي ناريغ غازاريان (26 سنة) نفسه لبنانيّاً بالدرجة الأولى، وأرمنيّاً بالدرجة الثانية. أمّا الرأي الأكثر تطرّفاً، فيأتي من آرا الذي لا يعدّ نفسه أرمنيّاً، ثم يستدرك «أنا أرمني على طريقتي. وأعشق الثقافة الأرمنيّة كعشقي للكثير من ثقافات المنطقة».
تمثّل اللغة جزءاً مهمّاً من الهويّة الأرمنيّة، وتدرّس في المدارس الأرمنية الخاصة. لذا، من النادر أن تصادف اثنين لا يتحدثان بها في ما بينهما. ولاستخدامات اللغة الأرمنية دلالات كثيرة. «هي شكل من أشكال الانتماء» على حد تعبير رافايل، الذي انتقد استخدام بعض اللبنانيين للفرنسية بين بعضهم بعضاً معلّقاً «وضعنا أفضل منهم». يتّفق معه الطالب في هايغازيان غارين خيّاط (19 سنة) الذي رأى أنّ «التفاعل بين الأرمن بلغتهم يؤكد على الهويّة». أما آرا، فبدأ منذ فترة بالحديث مع أصدقائه الأرمن بالعربيّة، «لم أعد أفكر في الأرمنيّة بل في العربيّة، وخصوصاً بعد انتقالي من الغيتو»، في إشارة منه إلى نقله سكنه إلى خارج منطقة برج حمّود.
إذا كانت اللغة نوعاً من أنواع الانتماء، فإنّ الارتباط العاطفي بغير الأرمن، يطغى عليه الشعور الأقلّوي بـ«الانقراض» لدى الشبان. فيرى فاهان صعوبة خوض علاقة مع لبنانيّة «إذا كل لبناني تزوّج غير لبنانيّة فسينقرض اللبنانيون. وكذلك الأمر بالنسبة إلينا». إلى جانب المشاكل التي ستخلقها مع الأهل الذين سيعارضون، كما يقول. من جهته، أنهى طالب إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الأميركية كيفورك نيكوغويان (22 سنة) علاقته بشابة لبنانيّة لأنّها رفضت أن يتعلم أولادهما الأرمنيّة. أما ليزا، فلا مشكلة لديها بالارتباط بشاب لبناني، ولكنّها تفضّل الأرمني، «سأعلّم أولادي الأرمنيّة، أحلى ما ننقرض» تضيف ضاحكة.
التناقض الكبير بين آراء هؤلاء الشباب، يبرز واضحاً عند التطرق إلى وطنهم الأم، وفكرة العودة إليه. إذ يفكر فاهان في زيارة أرمينيا الصيف المقبل، ويؤكد أنّ هناك صعوبة في الاستقرار هناك «كل تفاصيل حياتي هنا». أما غارين، فقد زار «كاراباخ» السنة الماضية، وكوّن صداقات. يفكّر غارين أحياناً في الاستقرار هناك «حيث يعيش شعبي معاناة يجب أن أشاركه إياها». كذلك يفكر كيفورك في العودة إلى «الوطن» متسائلاً «إذا لم يذهب الأرمن إلى أرمينيا، فمن سيذهب؟».
وبالتأكيد فإنّ «مسألة تركيا» أسهمت في تكوين الوعي القومي لدى الشباب الأرمني. إذ يجمع أغلب هؤلاء على أنّ المشكلة هي مع السلطة السياسية التركية لا مع الشعب التركي، حيث يرفض الشباب استهداف المدنيين الأتراك في عملية تحرير أراضي أرمينيا الغربية من الاحتلال. ومنهم من يرفض كره الأتراك «لمجرد أنّهم أتراك» كحال آرا.
أما رافايل، فينظر إلى تركيا «كما ينظر اللبناني إلى إسرائيل». لكنّه يختلف عن أغلب الشباب بتحميل الشعب التركي مسؤوليّة عدم الانفتاح على حقيقة المجازر «وعدم استعداده للخروج من البروباغندا التي يطوّقه بها نظامه».


وقفة
العلاقة مع تركيا


لا يقاطع كل الشباب الأرمن البضائع التركية. أما شروطهم لردم الهوّة مع تركيا، فيحدّدونها بالاعتراف التركي بالمجازر، الاعتذار للأرمن، دفع التعويضات، والانسحاب من الأراضي الأرمنيّة التي احتلتها. أما مسألة التعويضات، فيختلفون عليها، إذ يراها البعض «بيعاً لدماء الأجداد».


ارتبطت مضيفة الطيران تالار سركيس بلبناني، ولم يمانع أهلها. وقد تعلم أولادها الأرمنية كلغة إضافية لا أكثر. وتسأل «ما ذنب الأتراك بالمجازر التي ارتكبها أجدادهم؟»، وتؤكد عدم شعورها بأنها في دولة عدوّة أثناء زيارتها لتركيا منذ أشهر عدّة.


يرى الطالب دونيك دونابديان أنّه «أرمني بالدرجة الأولى». يرفض الارتباط بلبنانيّة، متحدثاً عن «صدام ثقافي» سينشأ عند تحديد أسماء الأولاد. ويربط بين استمرار الأرمن كشعب وبين لغتهم، مؤكداً أنّه لن يعود إلّا «إذا تحررت الأراضي من الأتراك».