فايز فارسفي الأخبار أنّ الرئيس المصري حسني مبارك قام بزيارة إلى السودان الجار والشقيق، هي الأولى له منذ اعتلائه عرش مصر عام 1981. وفي الأخبار أيضاً أنّ أول اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما كان مع الشريك الواعد رئيس دولة الصين «العظمى». يبدو أنّ الرئيس المصري أدرك، ولو بعد 30 سنة، أنه مقصّر تجاه جاره الأفريقي وشقيقه العربي في آن معاً، رئيس دولة السودان الذي يتعرض إلى هجوم مركّز من إدارة رئيس أميركي لم يبق له سوى حزم حقائبه ومغادرة «البيت الأبيض» الذي أصبح رمادياً بعدما أفقده بوش الابن الكثير من بياضه الطبيعي.
كذلك، توجّه أوباما إلى رئيس دولة الصين في اتصال هو الأول له بعد انتخابه، ولم يتوجّه إلى رئيس دولة جارة مثل كندا أو دولة شريكة تقليدية مثل بريطانيا. لأنّ الوقائع أظهرت أن جيرتهم لم تكن ذات فائدة لأميركا، وشراكتهم لم تكن ناجحة حتى لا نقول إنها أدّت إلى الإعلان عن إفلاس أميركي شبه كامل، سياسياً واقتصادياً.
في الحالتين، هناك مصالحات وتجدد وانفتاح وتحولات في العلاقات الإقليمية والدولية. فهل أدرك مبارك أنه معرّض هو أيضاً، مثله مثل الرئيس السوداني إذا ما نجحت عملية تركيع هذا الأخير وإذلاله وجرّه إلى محاكمة دوليّة صوريّة مركبّة بسبب تمسّكه بمبدأ «نفط دارفور» جنوب السودان، وهو ملك كل الشعب السوداني لا فرق بين جنوبي
وشمالي؟
وهل أدرك أوباما المتخرج من جامعة هارفرد أنه ليس المهم أن تكون رأسمالياً أو اشتراكياً، لأن الأهم هو أن تكون رأسمالياً عادلاً منصفاً حيث يأخذ كل ذي حق حقّه أو تكون اشتراكياً إصلاحياً تغييريّاً يعمل على تحقيق ما أمكن من المساواة بين الناس؟
«المصالحة واجب وطني وليست خياراً سياسياً»، قالها اللبناني الأول أخيراً خلال زيارته كندا أمام حشد من اللبنانيين الهاربين أصلاً منذ عقود من بلد خضع قبل غيره وأكثر من غيره إلى كل أنواع الإرهاب وأشكاله. المصالحة هي فعل إيمان بلبنان وتواضع لا يدرك معناه العميق سوى أصحاب النفوس
السامية.
هي فعل إيمان بالإنسان المخلوق الأضعف، لولا تمتعه بنعمة العقل وما يتصل به من قدرات، تبقى محدودة مهما فعلنا، ورغبات تحتاج إلى ضوابط حتى لا تتسب بأذية الآخر.
البلد بحاجة إلى مصالحات فعليّة تحصل بين أعضاء العائلة الواحدة وسكان العمارة أو الحي الواحد والبلدة الواحدة والجماعة الدينية أو السياسيّة الواحدة. وما على رجال السياسة ونسائها وغير السياسة سوى بعض من صمت وامتناع عن تلك التصريحات النارية أو الساخرة، بهدف إبقاء اللبنانيين في حالة دائمة من القلق والخوف والشكّ.
أميركا ومواطنوها في حالة يرثى لها، وأوروبا تواجه أكبر التحديات منذ تأسيس اتحادها، ولإيران ما يكفي من العداوات المجّانية، وسوريا تقف غصباً عنها في وسط شرق أوسط جديد متعدد الرؤوس، وحكام مصر عاجزون عن إطعام شعبهم، والسعوديون يبحثون عن مخرج لائق هرباً من مشاريع أميركية بدت لهم أنها واعدة ومربحة، وتركيا تتجاذبها المصالح الإقليمية والدولية، إضافة إلى ما تشهده من تحوّلات داخلية... وإسرائيل تقف على أعتاب التاريخ الذي شاركت في صنعه.
أمام هذا المشهد الغني جداً، ما الذي يمنع قادة لبنان من المبادرة إلى خلق مساحة وطنية يستريحون فيها قليلاً ويريحون أهلهم وجماعاتهم، والسعي من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه والانطلاق في عملية بناء الدولة التي نقرأ ونسمع عنها ولا نراها سوى في
المنام؟