عند الحادية عشرة قبل ظهر اليوم سيقف محمد صفا في نقابة الصحافة. إنها ربما المرة الألف التي يتلو فيها بيانه. لكن للتلاوة اليوم نكهة خاصة. فاليوم يكمل الرجل 25 عاماً من النضال، توّجه، بتأسيس «لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية»، التي تحتفي هي الأخرى اليوم بعيدها الـ16. هل بقي للجنة ما تتابعه؟ وحدها أم عزيز تملك الإجابة عن هذه السؤال.
بسام القنطار
يعرف محمد صفا أن التأريخ للنضال المدني من أجل قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية لا يبدأ من 20/11/1992. لكنه يرى أن هذا اليوم الذي اجتمع فيه عدد من السياسيين والنقابيين والأسرى المحررين وقرروا إطلاق «لجنة لمتابعة لدعم قضية الأسرى اللبنانيين» مثّل علامة فارقة في تاريخ الدفاع عن الأسرى.
لكن «التأريخ يجب أن يبدأ منذ عام 1983» حسب ما يقول صفا للأخبار، مضيفاً «يوم إنشاء تجمع معتقلي أنصار، وبذلك تكون الحقبة التي نتحدث عنها تمتد 25 عاماً، نصفها الأول كان الأصعب. كنا نوزع بيانات مكتوبة بخط اليد، وفي أحسن الأحوال نطبعها على الدكتيلو».
ويضيف: «عندما أستعيد الأرشيف أرى ثروة هائلة يجب توثيقها ونشرها. كل قصة يمكن أن تكون ملفاً وحدها. 14 تموز يوم الأسير اللبناني. 22 نيسان يوم الأسير العربي. 7 تشرين الثاني يوم المعلم المعتقل. كلها تواريخ هامة في الروزنامة الوطنية اللبنانية والعربية، ولنا الفخر في أن تأسيس اللجنة هو الذي كرسها وأحياها على امتداد السنوات الماضية. أهمية هذه التواريخ أنها انطلقت من الخاص إلى العام. فالسابع من تشرين الثاني هو تاريخ اعتقال سهى بشارة، لكنه تحول فيما بعد ليكون مناسبة للتضامن مع جميع الأساتذة والطلاب الأسرى الذين كان يُزج بهم في معتقل الخيام. أما 22 نيسان، فهو تاريخ اعتقال سمير القنطار، وتحول مناسبة للتضامن مع الأسرى العرب المنسيين من جانب حكوماتهم، والمعتقلين إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين. وبات هذا التاريخ مناسبة لإحياء يوم الأسير العربي في سجون الاحتلال».
ويستذكر صفا مجموعة من الأنشطة التي قامت بها اللجنة طوال هذه السنوات، وباتت عرفاً مكرّساً في الأنشطة التضامنية. فيروي مثلاً كيف كانت وسائل الإعلام تسأل عن عنوان مقر الأمم المتحدة «الذي كنا ننفذ أمامه اعتصاماتنا، وبقي لفترة قبالة الحمام العسكري، قبل أن يستقر في بيت الأمم المتحدة في رياض الصلح، الذي تحول إلى محجة للمعتصمين فيما بعد. كما أن لجنة المعتقلين هي أول جهة نصبت خيمة في ساحة رياض الصلح عام 2000، حيث بقي أهالي الأسرى هناك أكثر من شهر، ثم عاودوا الكرّة عام 2004 لمدة 19 يوماً، بالتزامن مع آخر إضراب عن الطعام خاضه الأسرى في سجون الاحتلال. أما رصيف الصليب الأحمر الدولي فإنه المكان الأكثر ألفة بالنسبة إلى أمهات الأسرى، اللواتي كن يعتصمن هناك كل خميس إلى أن تحوّل إلى «اعتصام أمهات الخميس» الأسبوعي، وهي تجربة تشبه اعتصمات أمهات وزوجات الأسرى في تركيا والمعروفة بـ«أمهات الاثنين».
ويشير صفا إلى أن «الناس كانوا ينظرون بلا مبالاة إلى أنشطتنا. كان الرأي العام السائد في البداية ان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425 هو الذي سيعيد الاسرى". ويعتبر ان نقطة التحول في التعاطي الحكومي مع الاسرى بدأت في المؤتمر العالمي لحقوق الانسان الذي عقد في جنيف عام 1993، وطرحت فيه قضية الاسرى اللبنانيين بقوة على المستوى الدولي من قبل وزارة الخارجية. بعدها كرت السبحة وباتت الإجتماعات السنوية للجنة حقوق الانسان في جنيف محطة سنوية لعرض القضية خصوصاً انتهاكات حقوق الانسان في معتقل الخيام الذي بقي مغلقاً امام الصليب الأحمر الدولي حتى العام 1995، وكان الشعار في حينها "افتحوا معتقل الخيام امام الصليب الأحمر"، وبعدها اصبح الشعار "اغلقوا معتقل الخيام الى الأبد".
يرفض صفا رفضاً قاطعاً الرأي أن "المقاومة حررت الاسرى بمعزل عن هذه الانشطة التضامنية". ويقول في ذلك: "لقد كنا خير سند للمقاومة، خصوصاً بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000، وتصاعد الحديث عن عدم وجود اسباب لاستمرار المقاومة. كما أن أنشطة التضامن مع الاسرى كرست ثقافة وطنية وثقافة مقاومة في صفوف جيل باكمله".
ماذا بعد "عملية الرضوان" وتحرير كافة الاسرى اللبنانيين في 16 تموز الماضي ؟ سؤال يحيله صفا الى ام ماهر قصير وام ابراهيم زين الدين وام عزيز الديراوي وغيرهن من امهات المفقودين الذين ثبت بدون ادنى شك ان ابناءهم فقدوا على ايدي السلطات الاسرائيلية. ويؤكد انه "لا يحق لأحد ان يعلن ان ملف المفقودين في اسرائيل اغلق، وقضية فحوصات الحمض النووي للاسير المفقود يحي سكاف خير دليل على أن هذا الملف لا يزال غامضاً ويحتاج لمزيد من الجهود. اسرائيل لم تفقد الامل بعد بكشف مصير رون أراد وهي ترسل عشرات الرسائل الى اللبنانيين وتعرض الجوائز المالية، نحن جل ما نطلبه ان لا تتجاهل الحكومة هذا الملف ولقد سجلنا احتجاجنا على عدم ذكر هذه القضية في البيان الوزراي".
ويختم صفا" المرحلة المقبلة تحمل 3 عناوين: توثيق التجربة النضالية وتظهيرها عبر كتب وافلام وروايات ادبية لتكون ملكا للاجيال القادمة، استمرار العمل بكل الوسائل لكشف مصير المفقودين، وتوسيع حلقة التضامن مع الاسرى الفلسطينيين والعرب داخل السجون، لان القول ان القضية انتهت مع اطلاق الاسرى اللبنانيين هو كلام عنصري، فالاسير قاتل من أجل قضية، وجنسيته تفصيل بالنسبة لنا سواء أكان لبنانيا او أردنيا أو فلسطينيا".