لماذا يظهر رجل الأمن مختلفاً في اعتصام للمعلمين؟ وحدهم المعلمون يستطيعون تفسير ذاك الهدوء الذي يهبط على الضباط حين يطلّ المعتصمون على الساحة. يتبادل الطرفان السلام والابتسامات والقبلات. فجأة يسود الحوار وتكثر المسايرة. يستغرب المراقب المشهد ويشتهي تكراره في اعتصامات أخرى، ربما لأنّ الفكرة الوحيدة التي تحضر في تلك اللحظة هي صورة «الدركي» الذي يحمي من نواجههم. لكن المعلمين عرفوا، على ما يبدو، كيف ينسجون العلاقة مع «الدركي» المواطن الذي علّموه في مدارسهم، والذي ينتظر مثلهم الفروقات ومطالب معيشية أخرى. في الوقت نفسه لا يغيب عن الذهن أن يكون سبب هذه الكيمياء، ببساطة، الاقتناع الذي تولد عند الجميع بأنّه «إذا ما تحرّك المعلمين ما حدا بزيد معاشو».يضحك أحد الضباط حين تسأله إحدى معلمات مدرسة شمسطار البقاعية «لشو كل هل الحشد، هالقد منخوفكن؟». يجيب: «ما فينا نخبيلكن مفاجآت، إنتو أساتذتنا وهلق أمي بتكون هون». يساير الضابط المعلمات ويطلب منهن «برواق» الانتقال إلى جانب تمثال رياض الصلح «حتى نغطيكم إعلامياً!». ثم لا يمر وقت طويل قبل أن يطلب الضابط رفع الحاجز الحديدي أمام المعلمين للدخول إلى شارع البرلمان وهو أمر يحدث للمرة الأولى منذ فترة طويلة، رغم أنّ الأمنيين يتلقون أوامرهم من الداخل. ثم إنّ عناصر مكافحة الشغب بادرت بابتسامات تعليقات بعض المعلمين «الانفعالية» على سبب حضور مثل هؤلاء إلى المكان حيث يفترض «أنّنا حضاريون ولا مكان للشغب بيننا». لكن «يمكن بدن يزيّتوهن»، تقول إحداهنّ.
أما النقابيون فقابلوا «اللطف» الأمني بمواقف مشابهة، وخصّ نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض في بداية الكلمة التي ألقاها في المعتصمين القوى الأمنية بالقول: «نشكركم، نحن أساتذتكم، لأنكم حافظتم على أمننا». كذلك لم ينسَ رئيس رابطة الجامعة اللبنانية حميد الحكم أن يشير إلى أنّ المفعول الرجعي الذي ترفض الدولة دفعه يعني أيضاً السلك العسكري.

فاتن...