اليوم تُطلق «أوروبيانا» المكتبة الرقمية الأوروبية التي قامت برعاية فرنسية خاصة وشارك فيها مئة معهد أوروبي. إنها نتاج رغبة في مواجهة «غوغل» الأميركي. فور إطلاقها ستضم المكتبة مليوني عمل، ويسعى القيّمون عليها إلى تضمينها، مع حلول 2012، 4 في المئة من النتاج الأوروبي الثقافي
باريس ـــ خضر سلامة
عام 2005، نشر جون نويل جانيتي، رئيس المكتبة الوطنية الفرنسية، مقالاً في جريدة «لو موند» بعنوان «عندما يتحدى غوغل أوروبا»، وذلك رداً على عرض قدمته «غوغل» في معرض فرنكفورت للكتب إلى دور النشر الأوروبية، يسمح لها بإيداع نسخٍ أو ملخصات عن الكتب في محرك البحث الشهير، لتسمح الدور بدورها لمتصفحي «غوغل» بالاطّلاع عليها عند استخدام المحرك. «غوغل» تابعت «تحديها»، عندما أقرت مشروعاً تنوي فيه وضع 15 مليون كتاب على الإنترنت «دعماً للثقافة».. أو لثقافتها، على حد تعبير المراقبين حينها.
مقالة جانيتي، حرّضت وزراء الثقافة الأوروبيين، على الاستفادة من هذا الخطر «الأميركي» الذي يهدد بمصادرة الملكية الفكرية من أوروبا، فوضعوا خطة لإنشاء مكتبة رقمية أوروبية، برعاية فرنسية أساسية، وبعد عامين من العمل ومن الصعوبات الكثيرة، تبلورت المساعي الحثيثة عن ولادة «أوروبيانا».
إذاً، تطلق أوروبا اليوم الخميس مكتبتها الرقمية الأضخم على شبكة الإنترنت «أوروبيانا» التي تطمح القارة العجوز من خلالها إلى توحيد التراث الثقافي الأوروبي، وتدعيمه افتراضياً، من أجل مواجهة «الأميركي» غوغل، ومن أجل تقوية «الحس المواطني الأوروبي»، والسماح لمتصفحي الإنترنت باستعراض النتاج العلمي والفكري الذي أتاح لأوروبا التطور.
أوروبيانا إذاً، هي موسوعة ضمت إلى الآن، مليوني عمل في21 لغة، بالإضافة إلى السماح لزائري المكتبة بتصفّح الكتب، كما يمكن للزائر مشاهدة أهم اللوحات الفنية المعروضة في أوروبا، وتذوق أهم الأعمال الموسيقية، والاطلاع على الأفلام السينمائية والوثائقية الأشهر في تاريخ الإنتاج الأوروبي.
محتوى المكتبة المليوني، لا يمثل إلا 1 في المئة من المستودع الثقافي الوطني الموجود في المكتبات والمعارض الأوروبية، وبنهاية عام 2010، ستحتوي «أوروبيانا» على عشرة ملايين كتاب، إلى أن تصل النسبة من النتاج الأوروبي المعروض إلى 4 في المئة عام 2012، حيث سيكون المحتوى في صفحات «أوروبيانا» قد تجاوز العشرة ملايين. وإلى الآن فإن فرنسا، صاحبة الفكرة وراعيتها، قدمت 52 بالمئة من المحتوى، إلى جانب مشاركة 27 بلداً أوروبياً آخر، منها النروج وسويسرا من خارج مقاعد الاتحاد الأوروبي، وبغياب استونيا ومالطا وايرلندا التي لم تقدم شيئاً للمكتبة الافتراضية إلى الآن، المشروع شارك فيه مئة من أهم المعاهد الأوروبية، بميزانية بلغت 2,5 مليون يورو سنوياً، و14 موظفاً متفرغاً عملوا على تحقيق الحلم الأوروبي القديم بمكتبة تاريخية ضخمة، يبدو أن تكنولوجيا اليوم سهّلت تحقيقه.
وربما تكون المشكلة الأبرز التي واجهها المشروع، هي تحفظ معظم المكتبات الوطنية الضخمة الأوروبية، عن عرض «كنوزها» وتقديمها للمشروع، مفضلة الاحتفاظ بها في رفوفها، وضعف التمويل الذي لم يكن بالحجم المطلوب على المستوى الأوروبي والمحلي في كل دولة، وسبق للمفوضية الأوروبية أن أعلنت بلسان فيفيان ريدينغ، المكلفة بشؤون الإعلام ومجتمع المعلومة، أنها رصدت 120 مليون يورو لدعم المشروع في الفترة الواقعة بين 2009ـــ2010، مبلغ أثار تململ بعض المهتمين الذين يرونه دون المطلوب.
ريدنغ، الفخورة بأوربيانا، اعترفت بالصعوبات التي واجهت الفكرة، إلا أنها تتفاءل بقدرة «هذا الكنز الافتراضي» على التطور والثبات بوجه التحديات «هي نقطة في بحر 2,5 مليار كتاب موجود في المكتبات الأوروبية» حسب ريدينغ التي تابعت قائلة «بفضل تقنية المعلوماتية، يستطيع منذ الخميس طالب تشيكي مثلاً، تصفح بعض محتويات المكتبة الوطنية البريطانية دون زيارة لندن، أو أن هاوٍ فني ايرلندي سيصبح قادراً على مشاهدة الجوكندا دون انتظار دوره في اللوفر بباريس».
ومع اعتراف القيمين على المشروع بصعوبة مهمة أوروبيانا، أي مواجهة خدمة غوغل «الاستفزازية» Google books، يبدو أنهم يملكون الوقت للاستفادة من عرقلة مشروع «غوغل» التوثيقي للكتب، بفعل وقوعها قضائياً في شوائب عدة تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وإعلانها تعليق مشروع الشراكة مع دور النشر الأوروبية مؤقتاً، ويذكر أن «غوغل بوكس» يقدم الآن على صفحاته سبعة ملايين كتاب رقمي عالمي بنسخات كاملة أو مقتطفات أو اختصارات.
إذاً، المكتبة الرقمية أوروبيانا، خطوة جديدة لأوروبا على طريق توحيدها، وورقة أخرى ترميها الثقافة الأوروبية في محاولاتها الحثيثة للدفاع عن هويتها أمام الأمركة الثقافية لكل مكنونات حضارة عالم الإنترنت اليوم. تطلق أوروبا مكتبتها اليوم، مع آمالٍ كثيرة في مواجهة إمبراطورية غوغل، وفي ترسيخ قيمة الانتماء الأوروبي الموحد لكل أطياف الاتحاد الأوروبي.
يذكر أن النسخة التجريبية للمكتبة الرقمية الأوروبية، كانت قد وضعت في آذار 2007 بمناسبة معرض باريس للكتاب، قبل أن تعلق في آذار 2008 لتطلق أوروبا النسخة النهائية: أوروبيانا.