حين تندلع بعض الإشكالات الفردية في الشوارع، يمكن تشبيه شبّانها بالمشاغبين البريطانيين «الهوليغانز». بيد أن للبنانيين أسلحتهم.. التي يتذرع بائعوها بأنها أسلحة صيد أو أدوات كشفية!
أحمد محسن
«بوكس الحديد» أو «اليونيّة»، هو أبرز الأدوات الحادة التي يخبّئها المشاغبون في جيوبهم. هو عبارة عن قطعة حديدية على شكل قبضة متوسطة الحجم، تكون أكبر من ذلك بقليل أحياناً. حسين د. وجه معروف في منطقة حي السلم، ويشارك في «المعارك» التي تحصل في الحيّ بين الحين والآخر، على خلفية معاكسة فتيات، أو أفضلية مرور بالسيارة أو الدراجة النارية. يعترف باحتفاظه بهذه الآلة منذ سبع سنوات، ويشهرها من دون مبالاة. يضعها دائماً في جيبه الخلفي، «كي أستطيع الحصول عليها بسهولة». لا ينفي أن عقوبته قد تزيد في حالة استخدامه هذه الأداة «لكنها تحدث أضراراً جيدة ومخيفة»، يردف ضاحكاً «صحافة إيه شو يعني صحافة»، يتساءل حسين غير آبه بشيء، فبرأيه، القانون لا يحاسب عليها. يمسك قبضته الحديدية المفضّلة، ويلمسها برفق قائلاً «صنعتها بنفسي عند الحداد»، موضحاً أن حجمها يناسب حجم يده تماماً. يحاول أن يكون لطيفاً، ليظهر أن احتفاظه بهذه القطعة المخيفة من الحديد، ليس عملاً شريراً، ويشير إلى أن منطقة صبرا تمتلئ بمثل هذه الأدوات: «الحصول عليها ليس صعباً»، وكل محالّ الصيد تبيعها أيضاً. إذ إن سعرها لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة هناك، شارحاً اختلاف أنواعها، فثمة قطع «مضروبة» قد «تطقّ بعد أول بوكس».
واليد ليست إلا وسيلة لاستخدام السلاح الأبيض، لكن تخبئته ممكنة في أماكن قد لا تخطر على بال أحد. أحمد ز. أحد سكّان عين السكة قد يعدّ الأفضل في استعمال الآلات الحادة، فهو يخبّئ شفرة صغيرة في فمه. يصعب تصديق هذه الصورة، في حال عدم رؤيتها بأمّ العين، لكن أحمد يفعل ذلك بخفة رائعة، من دون أن تسيل من فمه قطرة دم واحدة. ربما أحمد ماهر في عروض الخفّة، لكن ماذا تفعل شفرة حادة في فم شاب عشريني؟ يستغرب أحمد السؤال ويفتح يديه قائلاً: «بتنعاز». مشدداً على أنها أفضل من كل الأدوات الباقية «في حال وقوع المشكل»، إذ إنها الأصغر، وليست «دبشة» كسكين «الست طقّات»، كذلك فإنه يلفت النظر إلى سهولة اكتشاف القوى الأمنية الأدوات الكبيرة الحجم.
لكن أحمد فاته أن يعرف أن القوى الأمنية لا تعتبر السكاكين البسيطة والعصيّ الخفيفة (حتى لو زرعت المسامير فيها) من الآلات التي يعاقب عليها القانون، إلا في حال ثبوت استعمالها لإلحاق الأذى والضرر. وقال ضابط في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لـ«الأخبار» إن القوى الأمنية لا تلاحق حملة هذه الأدوات أو أصحاب المحالّ الذين يبيعونها بالمبدأ، بل تقتصر الإجراءات على التحقيق معهم، وفقاً لما تقتضيه الظروف، ووفقاً لما تمليه النيّابة العامة. أما بالنسبة إلى المحال التي تبيع الآلات الحادة، فأكد المصدر نفسه، أنه حتى الآن لا يوجد قرار بالملاحقة، إلا أنه أشار إلى أن أي عسكري أو مدني يستعمل مثل هذه الآلات سيكون محط اشتباه، حتى لو كانت الأسلحة المقصودة بقصد الصيد، لافتاً إلى أن «البونية» لا يمكن أن تندرج ضمن أدوات صيد، «مهما كانت النية حسنة». لكن حتى في هذا الإطار، تشير المادة السادسة من قانون الصيد البري في لبنان، إلى ضرورة الحصول على رخصة لممارسة الصيد البري على أنواعه، ويعدّ سلاحاً كل أداة قاطعة أو ثابتة، بما في ذلك تلك السكاكين التي تدّعي بعض المحال بيعها كأدوات للصيد، ويستخدمها الشبّان في غير ذلك. لكن في الوقت عينه، أشار مصدر أمني إلى أن قانون العقوبات لا ينصّ حرفياً على معاقبة حملة هذه الأدوات إذا لم تكن قيد الاستخدام. إضافة إلى ذلك، أوضحت المادة التاسعة في قانون الصيد البري، عدم جواز الصيد إلا بواسطة الأسلحة النارية المرخّصة للصيد، وقوس النشاب، أو الكلاب والصقور والبزاة والعقبان، ما يعني استثناء القانون كل الآلات الحادة المستخدمة لصيد البشر في «قتال الشوارع»!