ريمون هنودلا شك أن الجمعيات والأحزاب الأكثر ثورية في فكرها السياسي والفلسفي، كانت عرضة للاضطهاد. فالذي كان يجاهر بصراع الطبقات وبالدولة الطبقية كان هدفاً للاضطهاد وربما للموت جوعاً. لقد كانت هذه المسألة إحدى مآثر الثورة الفرنسية أولاً، ثم الثورة الروسية ثانياً، وكان رئيف خوري أكثر الروّاد تثقيفاً لفكر جيل المفكرين بعد الحرب العالمية الثانية، وقد بدأ نشاطه السياسي المبدئي بإصداره كتاب «حقوق الإنسان»، ثم كتب سنة 1944 موسوعته التاريخية ـــ السياسية: «الفكر العربي الحديث».
لم يؤرخ رئيف خوري أحداث الثورة الفرنسية بل ركّز على أثر الأحداث الثورية في الفكر العربي الحديث، وكتب مقالة «أيها الأديب، مَن أنت؟»، داعياً للدفاع الصريح والجريء عن كرامة الأدب والأديب وحريتهما معاً.
وكان ميخائيل نعيمة أول مَن استجاب لهذه الدعوى، فدافع في مقالته «الأدب والدولة» عن كرامة الأديب وحقّه في الحرية. وقال نعيمة: «إنّه لمَن الخير للدولة أن تعيش والأدب في سلام فلا تحاول تقييده في ما يفكر ويشعر. إن من يقارن بين مقالة رئيف خوري «أيها الأديب مَن أنت؟» ومقالة نعيمة «الأدب والدولة» يتلمّس التباين بينهما، وهو تباين ناتج نظرياً من الفرق في النظرة والرؤية، وسياسياً من موقف أديب يشتغل في السياسة من أجل الإنسان وحقه في الحياة، وأديب ابتعد عن السياسة في عزلةٍ اختارها طوعاً بإرادته.
يقول الدكتور علي سعد: إن رئيف خوري ناضل بعناد ومثابرة لا مثيل لهما، في سبيل بناء مجتمع ديموقراطي اشتراكي ينعم فيه المواطنون بالأمن والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والمعتقد. لقد أصيب رئيف خوري بخيبة أمل كبرى عندما رأى أن المدينة الفاضلة الفارابية، والمدينة العظمى الريحانية لا تزالان حلماً في مسيرة الإنسانية، وخاصة في هذا الشرق حيث تسود شريعة
القمع.
وعندما رفع شعاره «نقد الدولة»، كان على قناعة بأن السلطة التي تجعل من الجماهير أكفّاً للتصفيق وحناجر للهتاف لا بد من أن تلتقي والسلطة الاستبدادية الحاكمة باسم الحق الإلهي.
وكتب الدكتور علي سعد في مقالته «رئيف خوري مع الشعب والوطن» فقال: لقد مرّ رئيف خوري باكراً بالتجربة الماركسية، وحمل المضامين الأساسية لعقيدتها مدة لا تقل عن ثلث عمره الناشط باعتباره كاتباً وشاعراً ومؤلفاً مسرحياً وقصصياً ومنظّراً فكرياً وخطيباً جماهيرياً فذّاً مع بقائه خارج الانتظام الحزبي.
وفي كتابه «الفكر العربي الحديث»، أراد رئيف خوري أن يكون مدرسة للتحريض الثوري ضد الاستبداد وضد ما يسمى موقع الحكم الإلهي، الذي ارتدى زيّاً آخر غير زي الملوك والأمراء. وقد ذكّر بمواقف الأديب الراهب فينلون الذي بعث إلى الملك لويس الرابع عشر برسالة جريئة للغاية وفيها يقول: إن الشعب الذي أَحَبَّك ووثق بك كثيراً ها هو الآن يفقد ثقته واحترامه، إن الشعب يعتقد بأنك لا تحب غير سلطتك ومجدك. هكذا وبكل جرأة خاطب هذا الراهب... ذلك الملك!