لأن الزبون يريد التأكد من أن اللحم طازج، نضطر للذبح أمامه». هذا ما قاله القصاب أحمد هاشم بعدما انتهى لتوه من ذبح خروف أمام دكانه المطل على شارع العاقبية العام بمنطقة الزهراني، معللاً هذه «العادة» السائدة هنا خارج إطار رقابة طبيب وزارة الصحة أو البلدية. والمنطقة الممتدة بين العاقبية وخيزران، نموذج فعلي لهذا السلوك المفتقر إلى أي من مقومات الأمن الغذائي
كامل جابر
وبرغم شهرة مسلخ البيسارية، إلا أن عشرات القصابين لا يتورعون عن «كسر احتكاره»، متغنين بـ«الذبح الطازج» أمام زبائن تزدحم بهم ملاحمهم. ويؤكد هاشم أنه و9 جزارين آخرين في العاقبية، يذبحون أيضاً في مسلخ البيسارية «لكن لا يمكن أن ننتظر حتى الليل للذبح مجدداً إذا نفدت بضائعنا».
لكن المشكلة أن مسلخ البيسارية، يشبه بدوره الذبح في الدكاكين، فهو يتبع «الجمعية التعاونية الزراعية العامة»، التي افتتحته عام 2003 في عهد وزير الزراعة والتعاونيات النائب علي حسن خليل. فرقابة البلدية تغيب عن المسلخ المقام على أرض تتبع عقارياً لبلدية الصرفند، ويفصلها عن البلدة الأوتوستراد الساحلي، ولأن مالكيه من البيسارية، تخلت بلدية الصرفند، المحسوبة على جهة حزبية، عن رقابتها وجبايتها لبلدية البيسارية المحسوبة هي الأخرى على الجهة الحزبية عينها التي تخلت هي الأخرى عن رقابتها بسبب نفوذ العائلة المالكة للمسلخ.
«البعض يهرب من الذبح في المسلخ بسبب التكلفة» يقول الطبيب محمد خروبي عضو المجلس البلدي في الصرفند، مضيفاً «راقبت المسلخ مرة أو اثنتين، لكن المشكلة بالذبح في الليل. ولست مستعداً للقيام بهذا العمل اليومي الشاق، إذ إن الذبح يبدأ قرابة منتصف الليل، ولا أظن أن طبيب وزارة الصحة يأتي كل ليلة إلى المسلخ ليراقب».
ويعلل خروبي انعدام الرقابة بعدم وجود جهاز رقابة صحية في البلديات المعنية، «فالأمر لا يمكن تحقيقه بالتطوع، إن الأمن الغذائي يحتاج إلى جهاز متفرغ لقاء راتب ما، لكن كيف ذلك والناس لا تدفع للبلديات حتى بات هذا الأمن الغذائي سائباً، ليس فقط في موضوع اللحوم، بل الدجاج والأسماك وأطعمة المطاعم والاستراحات والمسابح. أنا متأكد من أن معظم اللحامين يغشون ذبائحهم بلحوم مبردة مستوردة؛ وهم مطمئنون إلى عدم مساءلتهم عن ختم المراقب الصحي. طبقنا في فترة ما البطاقة الصحية ثم عمت الفوضى».
وينتقد الناشط البيئي سليم خليفة غياب بلدية الصرفند «عن رقابة مسلخ الجمعية التعاونية الذي يقع على آخر قطعة من الصرفند لجهة البيسارية، لكن ذلك لا يمنعها من جباية ما بين 350 و500 ألف ليرة يومياً (3 آلاف ليرة عن رأس الغنم و5 آلاف عن رأس البقر). لكن هل المبلغ الذي يدفعه الجزار للمسلخ يؤمن الرقابة المطلوبة والعناية الصحية للذبائح؟ ثم هل يحق لجمعية زراعية أصلاً، أن تفتح مسلخاً وتحتكر الذبح؟ ووفقاً لأية معايير؟».
ويؤكد خليفة أن معظم جزاري العاقبية لا يلتزمون الذبح في المسلخ «هروباً من ضريبة الجمعية، والبلديات غير مهتمة، ولا سلطة للجمعية أصلاً بالرقابة داخل المسلخ، فهذه من مهمات الطبيب البيطري زكي عبود المكلف من مصلحة الصحة في الجنوب. وهنا نسأل: هل يأتي الطبيب المعني فجر كل يوم، أم أن هناك من يختم عنه؟». وينسحب غياب الرقابة على نفايات الذبائح التي تطلق في «نهر العاقبية» لتصب عند شاطئ البحر «فباتت الروائح غير محتملة وتسبب رميها هناك بظهور سمك القرش المتعطش لروائح الدم بين الصرفند والعاقبية، وهذا أمر بالغ الخطورة، وخصوصاً على رواد الشاطئ»، كما يقول خروبي.
وتنتشر عند مدخل بلدة البيسارية أكوام نفايات «جلها من الكروش والعظام، تحرق كل يوم مع النفايات المختلفة لتحول الحياة القريبة من هذه المكبات إلى جحيم من الأمراض. وإن كانت الجمعية تنقل أكثر نفايات المسلخ لتحرقها في «ضهور الصرفند» القريبة من المدارس، إلا أن فوضى المسلخ تسمح برمي عدد من الكروش أمامه إلى ما بعد ساعات من الذبح» بحسب المهندس سليمان.
وفي زيارة للمسلخ، غاب الحارس «المفترض» لكن غرف الذبح كانت مشرعة لمن يريد الدخول أو حتى رمي ما طاب له أن يرميه هناك. وحده كلب أسود نبح قليلاً ثم انزوى. وعند مدخل المسلخ كانت أسراب الذباب تحط على أحشاء أحد العجول التي لم يتخلص منها أحد بعد انصراف الموظفين، فيما روائح كريهة كانت تنبعث من المستوعبات أمام المسلخ. ويحكي أبناء الجوار قصصاً عن «الكلاب والحيوانات المسعورة التي تغزو منطقة المسلخ في الفجر أو ليلاً، ما يمثّل خطراً على الناس التي أصبحت تخاف من العبور بالقرب منه مشياً على الأقدام». حسب حسين خليفة من أبناء الصرفند.
رئيس الجمعية التعاونية محمد موسى، صاحب ملحمة «أبو علي» في العاقبية يؤكد امتلاك الجمعية رخصة بالذبح صادرة عن محافظ الجنوب «ندفع لبلدية الصرفند مسقفات، لكن لا تعاون بيننا وبين هذه البلدية أو حتى مع بلدية البيسارية، لأن البلديتين تخلتا أصلاً عن واجباتهما نحونا. لسنا مستعدين للدفع لأي بلدية ما دامت لا تشاركنا الرقابة، أو تلتزم النظافة والنفايات؛ عندما تتحملان المسؤولية، نحن حاضرون للتعاون»، خاتماً بالقول «مليح عملنا مسلخاً تعتاش من ورائه أكثر من 37 عائلة».
وعن عدم تعاون كل القصابين مع المسلخ يقول: «جعلنا لهم مسلخاً خاصاً قريباً من دكاكينهم في العاقبية، حتى هذا المسلخ لم يتعاونوا معه، ورفضوا دفع مبالغ رمزية لتغطية نفقات الكهرباء والمياه، وبعضهم يدّعي أن الزبون يريد أن يرى الذبح أمام عينيه، ها إننا نذبح في المسلخ والزبائن تقف عندنا بالصف. عرضنا الأمر على بلدية البيسارية ولم تهتم، وها إنهم يذبحون خلف محالّهم ويرمون النفايات على جوانب الطرق، ومياه الذبح قرب الشاطئ».
ويلفت إلى أن الذبح في المسلخ مراقب «من طبيب الصحة زكي عبود، وليس صحيحاً ما يدعيه البعض بأن لحومنا غير مراقبة». ويضيف «الناس هنا لا تريد الخير لأحد، إذا أقفلنا المسلخ فستعم الفوضى؛ نحن بمسلخنا أنقذنا البيئة، ولأننا لا نتعاون مع البلدية يظن البعض أننا لا نتبع القانون. أما نفاياتنا فنلزم أمرها لشركة خاصة لا نعرف أين ترميها، هي تتحمل المسؤولية».


مسالخ لبنان