تتكثّف الجهود الرامية إلى تقليص وقوع الأمراض المرتبطة بالسمنة وبالوزن الزائد عالمياً، ويصبّ معظمها في مجال توعية المستهلكين وهو الاستراتيجية الأهم في هذا المجال حيث تؤدّي الإرادة دوراً يفوق دور القوانين

رنا حايك
توجد طريقتان أساسيتان يستطيع الناس اتّباعهما لمراقبة أوزانهم: التمارين الرياضية، وتحديد كمية السعرات الحرارية التي يتناولونها. ولكن، للقيام بذلك، يجب على المستهلك أن يكون واعياً لكمية السعرات الموجودة في الطعام. اليوم، أصبح مصنّعو الطعام يحدّدون على علب الطعام الجاهز التي ينتجونها ويبيعونها في السوبر ماركت والمحالّ عدد السعرات الحرارية في كل وجبة، على عكس المطاعم التي تبيع الطعام للخارج، فهي حتى الآن لا تحددها. إلا أن ذلك على وشك أن يتغيّر في الولايات المتحدة، حيث صدر قانون جديد يفرض على المطاعم التي تملك خمسة عشر فرعاً وما فوق تحديد كمية السعرات الحرارية إلى جانب السعر الذي تحدده لكل من أطباقها. سيمثّل تطبيق هذا القانون طفرة في عالم استهلاك الغذاء، إذ سيفاجأ المستهلكون بكمية السعرات التي كانوا يتناولونها دون أن يدركوا، في وجبات كثيراً ما عدّوها خفيفة وسريعة. فمعظم الرجال يحتاجون إلى أقل من 1900 سعرة في اليوم، بينما تحتاج النساء إلى أقل من 1600 سعرة يومياً. يعني ذلك أن أبسط وجبة سريعة مؤلفة من هامبرغر بالجبنة وبطاطا مقلية ومشروب غازي، ستوصل «ضريبة» السعرات الحرارية إلى 1300 سعرة، أي ما يمثّل 65% من كمية السعرات التي يحتاج إليها الرجل، وحوالى 88% من تلك التي تحتاج إليها المرأة!
في السياق نفسه، يحتوي طبق واحد من الطعام الصيني على 900 سعرة حرارية، كما قد تحتوي قطعة الحلوى الصغيرة التي تبدو «بريئة» حين تقدّم في المقهي إلى جانب كوب القهوة الساخن، على أكثر من 500 سعرة حرارية. وكذلك المنقوشة، وجبتنا «القومية»، التي تحظى بشعبية واسعة لدى جميع شرائح المستهلكين اللبنانيين، إذ إنها قد تحتوي على أكثر من 500 سعرة حرارية.
قليلة جداً هي المطاعم التي تحدد كمية السعرات الحرارية التي تحتويها وجباتها في لبنان. وأقل منها الزبائن الذين يعون هول الكمية التي يستهلكونها من السعرات. وضريبة قلة الوعي هذه باهظة، من ضمنها زيادة الوزن مع ما يستتبعه ذلك من أمراض كالسّكريّ وأمراض القلب والشرايين وحتى السرطان، الذي جرى ربطه بالوزن الزائد أيضاً.
يعترف معظم المستهلكين اللبنانيين بتقاعسهم عن مراقبة ما يتناولونه من سعرات حرارية في اليوم الواحد.
سارة، التي تبلغ الثلاثين من عمرها، تصف نفسها بالـ«متطرفة»، وتشرح: «في الفترات التي أتّبع فيها حمية، أراقب ما آكل بغاية الدقة، يصبح الموضوع هاجساً بالنسبة إلي. أما في الفترات الأخرى، خارج الحمية، فأنا لا أولي هذا الموضوع أدنى أهمية. فهو متعب وغير عملي».
تبدو مسألة الوعي كالحجر الأساس في هذا المجال، فسارة ليست الوحيدة. إذ تشاركها قريناتها، ليلى ونادين وسناء، السلوك ذاته. هؤلاء يُجمعن على أنهن لا يحسبن السعرات لأنهن، ببساطة «غير متعوّدات ذلك». كذلك يجمعن على أن هذه القضية لا تُحل عبر تطبيق قانون كالذي صدر في الولايات المتحدة، لأن الأساس هو اهتمام الشخص بالقضية، لا خدمة احتساب السعرات التي يفرضها القانون على المطعم.
أما جورج، فهو يعتقد أن قانوناً كهذا قد يكون ذا فائدة، إذ إنه «سيذكّرني، كلما تناولت طعاماً، بما أتناوله بالنتيجة من سعرات حرارية، وخصوصاً أنني أتناول الطعام غالباً خارج المنزل نظراً لساعات عملي الطويلة». ومن المتعارف عليه في هذا الإطار، ارتباط مشاكل السمنة بتناول الوجبات السريعة التي تحتوي على كميات هائلة من السعرات الحرارية.
فقد أثبتت مجموعة من الدراسات أن اليخنة اللبنانية التقليدية هي أخف بكثير من حيث السعرات، من الوجبات السريعة الغربية.
فمحشيّ الملفوف، مثلاً، يحتوي على 400 سعرة حرارية في الوجبة. طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن المحتوى قد يختلف قليلاً بحسب طريقة طبخه، وكمية اللحم المستخدم في طبخه ونوعه، والكمية المتناولة. ومع العلم، أيضاً، أن الوجبات اللبنانية الأخرى، كسندويشات الشاورما مثلاً، قد تكون غنية جداً بالدهون وبالسعرات، ما يستدعي تجنّبها.
أقرّت شركات المطاعم العملاقة بأن دافعها للتغيير لم يكن الوازع القانوني بل طلب المستهلكين. لذلك، سوف تبدأ شركات ومطاعم مشهورة ومنتشرة في الولايات المتحدة، ككنتاكي فرايد تشيكن وبيتزا هات ومطاعم وجبات سريعة أخرى، طوعياً، بذكر عدد السعرات الحرارية التي تحويها كل واحدة من الوجبات التي تقدمها في فروعها في الولايات المتحدة أولاً، وفي فروعها حول العالم لاحقاً. يبقى أن ننتظر ما إذا كانت ستطبق هذه الاستراتيجية في فروعها في لبنان، وإذا كان المستهلكون سيتجاوبون مع تلك الخطوة.