شملت التحضيرات لدورة الألعاب الأولمبية في بكين بعض المواقع الأثرية في العاصمة، ولا سيما المدينة المحرمة، المعبد الذهبي، وحدائق الأمير، التي عُمل على ترميمها وتأهيلها لاستيعاب العدد الهائل من الزائرين الذين دخلوها يومياً. وفيما شملت التحضيرات في المدينة المحرمة تركيب تجهيزات سمعية وبصرية تؤمّن الترجمة بأكثر من عشر لغات، أصاب مدينة بكين القديمة بعض من ذلك الاهتمام، فرمّمت بعض أسواقها القديمة، وأعيد بناء البعض الآخر على الطراز القديم. النتيجة: شوارع ذات طابع «مزيف». فقد جاءت هذه الجهود على شكل محاولة بائسة لإعطاء بكين طابع المدن الأوروبية التاريخية، بينما جمال هذه المدينة المأهولة منذ 3000 سنة لا يظهر إلا في «بقع» المباني القديمة المحافظ عليها في بعض الأحياء والساحات العامة: بيوت صغيرة متلاصقة ذات سقوف منحنية تخبئ أسرارها وشوارعها الضيقة خلف الأسوار التي تحيط بكل مجموعة من الأحياء والبيوت. ولكن، مع الأسف، أصبح التعرّف إلى بكين القديمة يتطلب جهداً إضافياُ من الزائر، إذ إن هذه المدينة تحاول منذ أكثر من 40 سنة أن تظهر بحلة المدينة العصرية التي دخلت حقل النمو الاقتصادي من بابه الواسع، ما أدى إلى جرف القيمين عليها لمعظم الأحياء السكنية القديمة (التي كان تاريخ البعض منها يعود إلى أكثر من 1000 سنة)، وتوسيع الطرقات وتشييد المباني الشاهقة. أصبحت بكين تشبه باقي مدن العالم، ولولا الكتابات الصينية على أعالي الأبنية، لنسي الزائر أين هو.
أما عن المواقع الأثرية، فقد يتوقع الزائر أن تكون منتشرة في أرجاء العاصمة، إلا أنه في الواقع، لم يبقَ منها سوى القليل، أهمها موقع «مقابر أباطرة سلالة الهان». في الموقع كشف عن مقبرة واحدة للسياح كنموذج عن شكل المقابر وطرق الدفن، فيما أبقي القسم الآخر مدفوناً للمحافظة عليه، بينما أصبحت المقابر الأخرى جزءاً من متحف بُنيَ في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، غطّيت أرضيته بالزجاج لتظهر من تحته بقايا عربات الإمبراطور، مع الخيول التي كانت تجرها، والتي ذبحت ودفنت في مكانها. ثم هناك أيضاً القبر المبني بشكل معقّد، على شكل بناءات متداخلة، تجعل الوصول إلى الغرفة التي دفن فيها الإمبراطور صعباً جداً، وبالتالي، تستحيل سرقة محتوياتها. وغرفة الدفن مطلية باللون الأحمر، وضعت على بابها تماثيل من الطين تحميها، بحسب الأسطورة، من الدخلاء. وكان القبر قد تعرّض للسرقة قديماً، لذلك فإن محتوياته التي تزين جدران قاعات المتحف ليست كاملة، بل تتألف من الجزء البسيط الذي عثر عليه العلماء عند اكتشافه. والمحزن أن هذا الموقع المهم والفريد من نوعه في مدينة بكين لم يحظَ بأية عملية تأهيل من التي تضمنها برنامج الألعاب الأولمبية، فبقي على شكله القديم: طريقة عرض مضجرة لغير أهل الاختصاص.
أما الموقع الأثري الهام جداً بالنسبة إلى فترة ما قبل التاريخ، فهو موقع «زوكوديان» المصنف على لائحة التراث العالمي. الموقع هو في الحقيقة جزء من جبل ووادٍ فيهما كهف كان قد عثر فيه على متحجّرات «إنسان بكين»، الذي عاش في تلك المنطقة في الفترة التي تعود إلى ما بين 500.000 و600.000 ألف سنة مضت. وقد جرت دراسة الموقع بتوسّع في محاولة لإعادة إنشاء البيئة التي عاش فيها الإنسان الأول، فدرست عظام الحيوانات والشجيرات. يحاول المسؤولون عن الموقع تقديم أفضل ما يمكن إلى الزائرين، فيضيفون حيوانات اصطناعية إلى الطريق المؤدية إلى الكهف أو يضعون مجسّمات للإنسان القديم الذي يذهب إلى الصيد...ولكن أحدث ما يقدمه الموقع إلى الزائرين هو لعبة ثلاثية الأبعاد: يضع الزائر على رأسه قطعة من الورق ويقف أمام كاميرا صغيرة فتتحوّل صورته إلى أحد حيوانات بكين المنقرضة ! لعبة تستخدم أحدث التقنيات لتحفيز الزائرين كباراً وصغاراً على زيارة الموقع.