جبران مطرمن خلال ثقوب غطّت ملابسهم ظهروا. من الشاشة عبّروا فأسروا النفوس، واحتلوا القلوب، بعدما أتقن الجرّاحون إبراز جمال العيوب، وأغدقت شركات الإنتاج ما في الجيوب، حتى غصّت في الفضاء الدروب، وكل ذلك المحجوب، المرغوب، قد سمّوه موسيقى. إن الموسيقى روح بلا جسد، فلماذا يقيّدونها بجسد سيليكوني، وهي التي تجوب الكون أجمع دونما أي قيود؟ إنها أولى اللغات، منذ فجر الحياة. غناها النسيم، متغلغلاً بين الأوراق، تارة برقّة لامتناهية، وطوراً بجموح لا يحدّ، آزره صراخ صخور الوديان، مناشداً الأمواه الصفح والغفران، ففاضت من الطيور الأشجان، وفي شدوها السبحان، فاكتملت أولى السمفونيات وأطربت الأكوان. أمعنوا السمع في تلك الآيات، لا لروعتها وتناغمها وحسب، بل لصدقٍ عبّر عنه عمالقة الطبيعة بشغفٍ في الأداء، وبراءة في التعبير، كما الصلاة. أما ما نراه على الشاشات، فهو أبشع أنواع الاستغلال للغة الجمال، إذ غدا تجارة بحتة، بأساليب ملتوية لتسويق أشخاص لا لنشر ثقافة وأعمال، من المفترض أن تبقى في البال لأعوام وعقود وأجيال.