خمس سنوات مرّت على انهيار الجزء الواقع بين جسر النمليّة وبلدة المريجات البقاعيّة من طريق ضهر البيدر، فيما إعادة التأهيل تنتظر همّة الدولة الغائبة تماماً. هذا الغياب الفاضح الذي دفع البلديّات هناك إلى «اختراع» تحويلة لتسهيل العبور بين بيروت والمناطق وبعض دول العالم العربي، فباتت مع الوقت التحويلة الأسرع نحو الموت، بعدما احتلت المرتبة الأولى في حوادث السير القاتلة
البقاع ـــ أسامة القادري
ضاق السائقون ذرعاً بالخطر الذي يرافقهم في رحلاتهم اليوميّة على طريق ضهر البيدر الدوليّة. فهذه الطريق، التي تربط لبنان بالوطن العربي، والتي من المفترض أيضاً أن تكون البوابة الأجمل لهذا البلد الصغير، تكاد تكون «التوصيلة» الأسرع نحو الموت بسببب ارتفاع نسبة الحوادث القاتلة التي تحصل عندها. وقد أقيمت هذه التحويلة قبل 5 سنوات، في منتصف طريق ضهر البيدر الدوليّة بطول 50 متراً، وذلك عندما انهارت أعمدة دعم الطريق الأساسيّة بسبب الضغط الذي كانت تتسبّب به حركة الشاحنات الكثيفة عليها. وبما أنّ المصائب لا تأتي فرادى، فقد أضيف إلى تقاعس وتلكؤ شركات التعهّد والمقاولات في تأهيل الطريق، تناوب شركات مختلفة على عملية «الإصلاح».
هكذا، تعاقبت 5 شركات، جميعها «استسلمت» بسبب التكلفة المادّية العالية، فيما مجلس الإنماء والإعمار الذي كان له الدور في إرساء مناقصات هذه الشركات، لا يحرّك ساكناً. إذاً، لا حلّ قريباً. وتحويلة «الموت» كما يسمّيها أبناء منطقة المريجات المجاورة، ستبقى على حالها هذا، فضلاً عن الطريق الرئيسيّة المتروكة بيد المتعهّدين والتي «تحتلّ» الحفريّات المتزايدة يوماً بعد يوم معظم رقعتها. وأمام هذا الواقع لا مفرّ من حوادث الموت الحاضرة بقوّة هناك، حيث تتفاقم نسبة حوادث سير أصبحت شبه يومية، لتصل إلى أرقام غير مسبوقة، حاصدة القتلى والجرحى، إضافة إلى الخسائر المادية الجسيمة. هكذا بقيت الوصلة من جهة اليسار (باتجاه منطقة شتورا) من دون إصلاح الحفر التي فيها بسبب الانهيارات والتشقّقات، فحوّلوا السير إلى.. منعطف يفاجئ السائق. وما يكاد يتمالك نفسه من هذا القطوع، حتى يفاجأ بـ«كوعٍ» حاد في آخرها، قد ينجو منه بأعجوبة مكتفياً بالضرر الذي يصيب سيارته نتيجة اصطدامها بالحواجز الإسمنتيّة على أطراف الطريق، أو حتّى اصطدامها بسيارات الاتجاه المعاكس، لأن الاتجاهين غير مفصولين والطريق ضيق، أما من بقي من السائقين الذين قد لا تسعفهم سرعة بديهتهم، وغالباً هم من سائقي النقل الخارجي الأجانب، فقد يستقرون بسياراتهم في الوادي المقابل لها.
وبانتظار «نزول الوحي» وإصلاح هذه الوصلة، يعيش سائقو الشاحنات خصوصاً هاجس الموت في لحظة ما. يستغرب سائق الشاحنة حسان زهرة (سوري الجنسية) الذي يعمل في مجال النقل الخارجي بين الدول العربية، سبب إهمال هذه الطريق الدولية. وبحكم مهنته هذه، يقطع زهرة عدداً من الدول والعواصم العربية، إلا «أنّني لم أر في تلك الدول طرقاً بمواصفات الطرق اللبنانية، دولية كانت أم داخلية». ورأى أنّه، بسبب «سوء الطرق اللبنانية وغياب مقومات السلامة العامة، يتعرّض سائقو الشاحنات في لبنان للموت أكثر من باقي الدول العربية والأجنبية. ويشرح الرجل معاناته اليوميّة مع الطريق التي يصادف مروره عليها ليلاً، ويقول «ما منوصل إلى بيروت وبعيوننا ضو». يخاف زهرة من الطريق، «بسبب انعدام الإنارة الليلية المفترضة لأعلى منطقة في لبنان، فنغرق في الضباب». أما التحويلة نفسها، فيلفت زهرة إلى أنّها «شيء غريب عجيب، وهي أخطر مكان إذا ما بتعرف الطريق فما عندك خيار إلا إنك تسقط بالوادي».
أما راشد الشقيف، سائق سيارة الأجرة بين بيروت وقرى البقاع، فيشير إلى أنّ «الطريق ليست مصيدة لمن يجهلها فقط، فنحن الذين نعرفها جيّداً قد نقع في فخها». يبدأ اعتراض الشقيف على الدولة، التي تماطل منذ 5 سنوات لاستكمال الطريق، ويتنهّد قائلاً «حياة الإنسان بدولتنا ما إلها قيمة، ومش بس التحويلة عاملينا بمطرح غلط كمان ما في ضو عالطريق، وأية غلطة ممكن تصير بالوادي».
كلّ هذا، ووزير الأشغال يدور على طول الشاطئ في جولة تبين أنها إعلامية في النهاية، نظراً لما تمخض عنها. أما هنا، فمناشدات رئيس بلدية المريجات فيليب بشعلاني لم تجنِ سوى التسويف، «ومشاهد الدم والموت لأسر بكاملها بسبب حوادث سير هذه الطريق، لم تجد صداها عند المسؤولين». ويتابع بشعلاني «عيب قطعة بطول 50 متراً أن تبقى 5 سنوات بحجة العمل على ترميمها ولم تنجز حتى اللحظة»، لافتاً إلى أنّ «وظيفة البلديّة اليوم تنحصر في إحصاء الحوادث وإسعاف المصابين، حيث لم تعد هذه الطريق دولية، لقد باتت طريقاً للموت». تبدو أقصى مطالب بشعلاني تأمين الإنارة فقط، للحدّ من حوادث السير. وهنا، يؤكّد بشعلاني «أن إنارة الطرق الدولية لا تقع على كاهل البلديات، بل هي من اختصاص وزارة الأشغال العامة». وما يثير أعصاب هذا الرجل، أنّ الإنارة موجودة، لكن في وضح النهار، أمّا في الليل فيُترك المواطن لقدره. ولا يقف غضب بشعلاني عند هذا الحد، فهو يشكو من من غياب الإشارات التي من شأنها إرشاد السائق إلى وجود تحويلة أو منعطف. خاتماً كلامه بإفراغ ما بقي من الغضب على الدولة «التي تهين نفسها بهذا التأخير والاستهتار، وخاصة أن طريق ضهر البيدر هي خط التواصل بين العاصمة والوطن العربي. إضافة إلى أنها الشريان الأساسي بين جميع المناطق البقاعية وباقي المدن والمحافظات اللبنانية».