يشغر اليوم المنصب الأرفع في القضاء العدلي، بعد قبول إنهاء خدمات القاضي أنطوان خير، وترشّحه لعضوية المجلس الدستوري. لكن نقاشاً فتح بشأن قانونية ترشحه لأنه كان عضواً في «الدستوري» المذكور بين عامي 1994 و2000يودّع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير مكتبه في العدلية اليوم، إذ من المقرر أن يتبلّغ مرسوم إنهاء خدماته وقبوله في منصب الشرف، الصادر يوم 20 من الشهر الجاري. وبتبلّغه المرسوم، صارت السبل ممهدة أمام خير للوصول إلى المجلس الدستوري، الذي يتوقع كثيرون أن يكون هو رئيسه المقبل.
وبالمقابل، فتح ترشيح خير لعضوية المجلس الدستوري نقاشاً بشأن قانونية اختياره المرتقب عضواً في المجلس ورئيساً له. فالقاضي خير كان عضواً في المجلس ذاته لولاية كاملة، بدأت عام 1994 وانتهت عام 2000. وينبع النقاش من المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري (رقم 250/93) التي لم يطلها التعديل، والتي تنص على أن «مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز اختصار مدة ولاية أي منهم...». وتضيف المادة المذكورة أنه «في حال شغور مركز أحد الأعضاء بسبب الاستقالة أو العجز الصحي أو الوفاة أو لأي سبب آخر، يعلن المجلس حصول الشغور وإنهاء الولاية وفقاً للأصول، ويبلّغ رئيس المجلس ذلك خلال أسبوع إلى المرجع الذي اختار العضو الذي شغر مركزه لأخذ العلم وتعيين عضو بديل. يعيّن هذا المرجع العضو البديل خلال شهر من تاريخ أخذ العلم بالطريقة ذاتها التي يعيّن بها العضو الأصيل وللمدة الباقية من ولايته، ولا تطبق على العضو البديل قاعدة عدم التجديد إذا كانت المدة الباقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن سنتين».
وأشار عدد من القضاة الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم إلى أن هذه النصوص منقولة ومستوحاة من النصوص الفرنسية (المادة 56 من دستور 4 تشرين الأول 1958، والمادة 12 من القانون الأساسي للمجلس الدستوري الفرنسي الصادر يوم 7 تشرين الثاني 1958).
ويرى هؤلاء القضاة أن علماء القانون يجمعون «على القول إن هدف هذه النصوص هو تأمين استقلالية الوظيفة وكرامتها بتعيين مدة غير قصيرة للولاية، وغير قابلة للتجديد (non renouvelable). ومردّ ذلك هو تمكين الأعضاء من ممارسة وظيفتهم بكل جدية، من دون اللجوء إلى محاباة السلطة التي عيّنتهم، ومن دون تمكين هذه الأخيرة من رهن مصير مدة ولاية العضو بإرادتها سواء بإطالتها مكافأة لرضى أو عقاباً على عدمه».
ويشدد هؤلاء القضاة على أن هذه «القاعدة الجوهرية مرعية بشدة في جميع التشريعات الأجنبية وهي تشمل عدم إمكان (بل استحالة) التجديد المباشر للولاية (renouvellement immediat) والتجديد اللاحق (renouvellement ulterieur) لها. ولم يشأ المشترع أن يجعل لهذه القاعدة الجوهرية إلا استثناءً واحداً محدوداً، وهو حالة العضو البديل الذي يحل محل عضو أصيل تقل المدة الباقية من ولايته عن سنتين اثنتين فقط».
ويعطي هؤلاء دليلاً على ما يقولون أنه «لو كان ثمّة احتمال بقبول المشترع لتجديد لاحق للولاية (ulterieur) لكان قد أورد ذلك، قياساً على نص المادة 49 من الدستور اللبناني نصّاً مماثلاً لنص هذه المادة الذي يقول: ... وتدوم رئاسته ست سنوات ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات...».
ويذهب أصحاب الرأي المذكور إلى القول إن «حصول تجديد على الرغم من هذا المنع الصريح والقاطع يؤدي إلى بطلان جميع القرارات التي يمكن أن تصدر عن المجلس الدستوري، بمشاركة العضو الذي جرى اختياره على الرغم من هذا المنع، والذي يعدّ غير ذي ولاية».
بالمقابل، ردّ قاض رفيع المستوى على الرأي المذكور بالقول «إن القاضي أنطوان خير هو المستهدف شخصياً من هذا القول الذي لا يستند إلى أي نص قانوني». وأضاف القاضي: «لو ذُكِر في هذا الرأي اجتهاد واحد أو سابقة واحدة، من لبنان أو خارجه، لكنا قد ناقشناه. إلا أنه لا يعدو كونه استهدافاً شخصياً، وربما سياسياً للقاضي أنطوان خير».
وذكر قاضٍ آخر أن الحديث عن التجديد هو «لشخص مستمر في الخدمة ويُجدَّد له، مما يعني استمراره في موقعه». ورأى أن تفسير منع التجديد بمنع التجديد للأعضاء السابقين بأنه «من قبيل تحميل المعنى أكثر مما يحتمل، وهو ذهاب أبعد من نية المشترع. فلو كانت نية الأخير منع التجديد بالمطلق لكان قد أشار إليه صراحة».
وبين الرأيين، يشير قانونيون إلى ضرورة حسم هذه المسألة، لأن بقاءها مبهمة سيؤدي إلى التشكيك في قانونية المجلس الدستوري العتيد، الذي انتظر اللبنانيون ولادة قانونه أكثر من 3 سنوات.
(الأخبار)


زيادة الشواغر

إنهاء خدمات رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير يزيد من الفراغ غير المسبوق في السلك القضائي، إذ يشغل رئيس المجلس منصب الرئيس الأول لمحكمة التمييز ورئيس المجلس العدلي. وسبقه غياب رئيس هيئة التفتيش القضائي وعضوان آخران في مجلس القضاء الأعلى، ورؤساء 3 غرف في محكمة التمييز و3 رؤساء استئنافيين في المحافظات و3 مدعين عامين في المحافظات، فضلاً عن وجود عدد كبير جداً من القضاة الذين يمارسون مهماتهم بالتكليف. وعادة ما تنتهي معظم النقاشات مع قضاة بما يشبه التسليم بأن التشكيلات لن تصدر هذا العام.