فادية حطيطبرافو، لقد قرأت هذا الخبر: «اتخذت بلدية ميس الجبل قراراً بناءً على المادة 174 من قانون البلديات، أقفلت بموجبه مبنى الثانوية العامة والمهنية...» وجاء القرار، وفق مطالعة البلدية «بعد تلكؤ وزارة التربية والإدارات المعنية في تأهيل التشققات الحاصلة في المبنى التي تمثّل خطراً على التلامذة والسلامة العامة.» و«نتيجة للإهمال المتراكم منذ سنين وغياب الدولة ومؤسساتها المعنية بهذا الشأن، رأينا من مسؤولياتنا، بعد نفاد صبرنا من المراجعات في الإدارات والمؤسسات المعنية، ومحافظة على السلامة العامة لتلامذتنا وأهلنا، اتخاذ القرار بإقفال المدرسة قبل فوات الأوان، لأنه لا أموال في صندوق البلدية وليس في استطاعتها ولا من مسؤولياتها ترميم مبنى تابع لوزارة التربية». (النهار السبت في 15 تشرين الثاني 2008).
أعجبني أن تحاسب البلدية الوزارة. بدا لي الأمر أشبه بامرأة مسنّة قروية لاذعة اللسان ـــ كما يجدر بكل الصادقين أن يكونوا ـــ تمسك بأذن رجل السياسة وتأخذ بفركها وهي تؤنبه: «هل هذا ما كان مفترضاً بك أن تفعله؟ هل هذه هي التربية (اقرأ السياسة) التي علمك إياها أهلك (اقرأ وطنك)؟ لا أنت ابني (اقرأ وزيري) ولا أنا أعرفك».
لم أعد أذكر إذا ما درسنا عن البلديات في المدارس، ولكني أعرف أن أولادنا يدرسون عنها. مع ذلك فإن معرفتنا بالشأن البلدي تبدو أقرب إلى الحدس. فنحن كمواطنين نعرف بالتجربة المباشرة أن ثمة دوائر للحكم الصالح (تيمّناً بالمفهوم الحديث غافرنينس) تبدأ بالشأن السياسي العام إلى الشأن البلدي المحلي إلى الشأن الأسري. ونعرف أيضاً أن هذه الدوائر يجب أن تتصل في ما بينها فتضمّ إحداها الأخرى (السياسي يضم البلدي الذي يضم الأسري وبالعكس الأسري يضم البلدي الذي يضم السياسي). ولأن البلدية هي صلة الوصل أو الدائرة الوسطى ما بين الأسري والشأن العام، فهي الأكثر أهمية في ربط المواطنين بدولتهم كما هي الأسرة أكثر أهمية في ربط الفرد بجماعته.
في بعض الدول الديموقراطية يعطى الشأن البلدي سلطة متسعة أكثر بكثير مما «نشعر» أن بلدياتنا تتمتع به. مثلاً هناك دول تكون أمور تعيين المعلمين فيها ومتابعة أدائهم ورواتبهم وترقيتهم هي من شأن البلديات، ومنها ما تقوم البلديات فيها بخلق تجارب تربوية مثيرة، كأن تتشارك هي والأهالي في تشييد مؤسسة للأطفال الصغار يكون الأهل جزءاً من إدراتها وهيئتها الرقابية وجهازها التربوي. وهناك من يهتم بمصالح الأهل المباشرة واليومية، فيكون من مسؤولية البلدية تأمين عاملين مدربين مثلاً من أجل خدمة رعاية الأطفال في أثناء غياب أهلهم عن البيت في دوام كامل أو في ساعات معينة أو في أثناء الإجازات المدرسية أو لأطفال ما قبل المدرسة.
في قرانا تعمل البلديات على رصف الطرق والأرصفة وزرع الأشجار والنظافة العامة، وهناك من ينشئ مكتبات عامة وينظم نشاطات ثقافية. وكنت أظن أن كل ذلك يحصل تنفيذاً لسياسة حكومية، ولكن أن تتخطى البلدية الوزارة وتحاسبها، فهذا عمل جدير بالتعميم. أما إذا لم تحسّن الوزارة سلوكها، فعندها على المواطنين أن يأخذوا المبادرة.