قارئ دوستويفسكي. يحبّ أم كلثوم وعبد الوهاب و...«أداء كارول سماحة». عدوّه الأكبر، الطائفيّة التي يعدّها من أهمّ أسباب المصائب والحروب في لبنان. من علاماته الفارقة: لا يهادن
بيسان طي
كان الشاب ابن الرابعة والعشرين يتمشى مع أصدقائه في عاليه... «فجأة اسودت الوجوه، لون الهواء صار رمادياً، سرى حزن لا أحد يدرك سببه، عدتُ مسرعاً إلى المنزل، فتحت الراديو، قالوا مات جمال عبد الناصر». تخنق البُحّة صوت نجاح واكيم وهو يستعيد ذلك اليوم في 28 أيلول (سبتمبر) 1970، فيحبس دمعة عنيدة، ويذهب بالكلام إلى حديث آخر.
إذا سألت واكيم ما الذي تغيّر فيه، وكيف ينظر إلى ذلك الشاب المناضل، بعد رحلة طويلة في السياسة اللبنانية؟ يقول أولاً: «لا شيء تغيّر»، ثم يضيف: «بلى، ما أضافته خبرة وتجارب السنين».
ابن المدرّس الذي ولد في البربارة عام 1946، عاش في عاليه طويلاً، درس الحقوق في جامعة بيروت العربية، شارك في التظاهرات دعماً للفلسطينيين وللعمال في لبنان والعالم، أعلن انتماءه الناصري وانحيازه إلى حركات التحرر العربية والعالمية... وفي عام 1972، قلب قواعد اللعبة، خارقاً اللوائح المقفلة على أبناء الأسر التقليدية الممسكة بالسياسة والاقتصاد، و... فاز ابن الـ 26 عاماً بمقعد في المجلس النيابي عن العاصمة اللبنانية.
يتعجّب واكيم عندما نقول له: «نريدك أن تخبر الناس بما لا يعرفونه عنك». يجيب على الفور: «وهل ثمة شيء غير معروف؟». هذه الجملة تشبهه. هو العفوي، الصريح إلى أبعد الحدود، لا يكتم غيظه أبداً، شفاف، يقول ما عنده بسرعة. لكنّ صراحته واندفاعه في النضال، كما في كل أمور الحياة، لا يُظهران كل شخصيته. أحياناً كثيرة، تعجز الكاميرا عن نقل الصورة الكاملة. نعم، ثمة جوانب من شخصيته لا يعرفها الناس.
على أيّة حال، ثمة وجه للسياسي يؤمن به واكيم. إنّه السياسي المثقف، قارئ الكتب السياسية والتاريخية والتقارير الصادرة عن مؤسسات الأبحاث الدولية... صحيح، في أي بلد قد يبدو الأمر بديهيّاً، بل جزءاً من «مهنة» السياسي (أو السياسيّة)، أما في لبنان... لكنّه أيضاً عاشق للآداب، يلوم نفسه لأنّه لم يعد يكرّس لها وقتاً طويلاً، كما كان يفعل سابقاً. الروائيون المتميزون في لائحته كثر من لبنان والعالم العربي. يحبّ أيضاً الأدب الإنكليزي وكلاسيكيّات الأدب الروسي. وإذا سألته عن كتّابه المفضلين، يجيب بلا تردد: «دوستويفسكي... قرأته كله». هو أيضاً عاشق الفن، الموسيقى العربية والطرب الأصيل تحديداً، من أم كلثوم إلى فيروز، مروراً بعبد الوهاب ورياض السنباطي وغيرهم من عمالقة الشرق. أما إذا سألته عن «فناني اليوم الشباب»، فسيحار طويلاً بحثاً ربما عن اسم يذكره ليجيب في النهاية: «أحب أداء كارول سماحة».
الرجل الذي دخل الندوة النيابية شاباً عام 1972 حفر في ذاكرة الجيل الصاعد آنذاك (والأجيال التي تلته) صوراً كثيرة... جميعها تصب في علامة فارقة أساسيّة: إنّه السياسي الذي لا يُهادن ولا يبدّل مواقفه ولا بندقيته. أبناء جيله ـــ ومن هم أكبر منه ـــ يتذكّرون الشاب الناصري الذي أعلن انتماءه إلى حركة التحرر العربية وحركة التحرر العالمية، والرجل الذي قطع إجازته الفرنسية عائداً إلى بيروت تحت الحصار الإسرائيلي، ولم يستسلم لمنطق تمليه الدبابات الغازية في اختيار بشير الجميل رئيساً للجمهورية. ويذكرونه عندما عارض اتفاقية 17 أيار، مع زميله النائب السابق زاهر الخطيب.
أما في الجمهورية الثانية، جمهورية ما بعد الحرب الأهلية أو ما بعد اتفاق الطائف، فكان واكيم الأعلى صوتاً ضد أمراء الحرب والسلم، رافضاً السياسات الاقتصادية التي فُرضت على البلاد. ورفض سياسات الترويكا ومَن تحالف معها. ولا تزال أرشيفات التلفزيونات تحتفظ بخطابه في مجلس النواب عام 1996 عندما هاجم ممارسات الاستخبارات السورية في لبنان، يومها تصدى له نواب يرفعون حالياً لواء العداء لسوريا... ولكن تلك قصة أخرى.
في حياته اليومية والاجتماعية والفكرية، يمثّل نجاح واكيم حالة نادرة داخل الطبقة السياسية اللبنانية. وثمة تهم لا يمكن أن يوجّهها إليه أشد خصومه: فهو يبغض الطائفية ويرى أنها من أهم أسباب المصائب والحروب في لبنان... كان دائماً، واحداً من أشرس المدافعين عن حقوق الناس، كان دائماً يؤدي دوره نائباً، في فضح ممارسات الغش والفساد التي تعتري الحياة السياسية اللبنانيّة، غير آبه مثل كثيرين بالحسابات الصغيرة التي تقتضي كسب ود الناخبين. بعضهم كان يراه «معارضاً» على طول الخط، هو يفسّر الأمر بتمسّكه باقتناعاته، وبخط سياسي عروبي تحرري واضح يؤمن به ويُناضل من أجله. لذلك لم يهادن في الدفاع عن قضايا الفقراء والطبقة الوسطى، بل عن أبناء كل لبنان. ومن يعرف واكيم المدافع الصلب عن حقوق الناس، ومن يذكره يتحدث بغضب وحزم في الندوة البرلمانية يُفاجأ به ضعيفاً أمام مرض صديق أو قريب.
يحار المرء كيف يلخّص سيرة واكيم، المحطات المهمة في حياته أكثر من أن تُحصى، وخاصة أنّه صاحب الشخصية الكاريزماتية والحضور القوي، ينفعل بسرعة ويغضب. وعندما يُسأل عن ذلك، يجيب بهدوء بأنّ الإنسان يعاني عادة شوائب أو سلبيات في شخصيته «وعليه العمل من أجل تصحيحها، لكنّني أعترف بأنني لم أعمل أبداً لتصحيح هذه النزعة العصبية».
في عام 2000، إثر صدور القانون الانتخابيالذي عُرف لاحقاً في القاموس السياسي اللبناني بـ«قانون غازي كنعان»، سحب واكيم ترشيحه... أما عام 2005 فقد وقف وحيداً في وجه تحالف رباعي امتد من جبل لبنان ليطاول بيروت، ويجعل البلاد كقالب الجبنة المُوزّع على الشخصيات والأحزاب الطائفية. لكن كل ذلك لم يجعله ينسحب من الحياة السياسية، ستجده يُطلق المبادرات ضد السياسات التي تغرق البلاد في المزيد من الوحول الطائفية. من «حركة الشعب» (التي انطلقت عام 2000) إلى التجمع العلماني الوطني... وأخيراً أطلق الصوت عالياً ضد قانون الانتخابات الحالي. وكل من يعرفه يدرك أنّ هذه ليست معركته الأخيرة. ما زال أمامه مواجهات كثيرة، مع رموز تلك الطبقة التي تستند إلى مدماكين صلبين في بنية الدولة اللبنانيّة: الطائفيّة والفساد...


5 تواريخ

1946
الولادة في البربارة (لبنان)
1972
انتخب نائباً عن بيروت للمرة الأولى
1983
عارض اتفاق 17 أيار
2000
إطلاق حركة الشعب
2008
دعا إلى معارضة قانون الانتخاب الحالي