عمر نشّابةالتشكيلات القضائية لم تصدر بعد، ويقول بعض القضاة بحسرة إنها قد لا تصدر إلّا بعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل لأنها رهن التوافق السياسي. مقرّبون من رئيس الجمهورية يقولون إن المسألة تحتاج إلى تروٍّ وتوافق، إذ لا يمكن، بنظر هؤلاء، إصلاح الخلل الذي تعانيه مؤسّسات الدولة اللبنانية إلا خطوة خطوة. فبعد النجاح في تأليف حكومة تجمع القوى السياسية الرئيسية، لا بدّ من الانتقال إلى بذل جهود لنجاح الانتخابات التشريعية التي ستعيد تثبيت التمثيل الصحيح للشرائح السياسية والطائفية والمذهبية في البرلمان. ورأى المقرّبون من الرئيس أنّ المشاكل التي تعترض إصدار التشكيلات والتعيينات القضائية والإدارية مصدرها الخلافات السياسية الحادّة على نظام المحاصصة.
وفي هذا الإطار، تبيّن أمس أن إحدى حلبات المواجهة تعني مركز رئيس ديوان المحاسبة الشاغر. غير أن حلبات مواجهة أخرى لا تخلو من صراعات قد تكون أكثر شراسة وأكثر ضرراً، إنما نذكر وقائع الصراع على ديوان المحاسبة لما لكلمة محاسبة من معان مفقودة في النظام القائم.
مقرّبون من رئيس الحكومة يقولون إن مركز رئيس ديوان المحاسبة التابع هرمياً لرئاسة مجلس الوزراء يفترض أن يكون للرئيس فؤاد السنيورة كلمة الفصل في اختياره. بالمقابل، ترى أوساط رئيس مجلس النواب أنه في ظلّ الاحتقان المذهبي الذي تمرّ به البلاد، وعملاً بالأسلوب المذهبي الذي اعتمده السنيورة خلال الفترة السابقة في الدفاع عن المواقع السنية في معادلة المحاصصة المذهبية، يفضّل أن تكون كلمة الفصل في اختيار القاضي الذي سيتولّى ديوان المحاسبة للرئيس نبيه بري، بحيث إنه من المفترض بحسب العرف أن يكون شيعياً.
وهكذا تعطّلت المحاسبة وعطّلت التجاذبات المماثلة القضاء بانتظار نتائج المواجهة الانتخابية بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار المنتظرة خلال الربيع المقبل. فالبعض يعتقد أن العدالة تحتمل التأجيل. وكانت الحكومات المتعاقبة منذ الطائف قد كرّست هذا الاعتقاد عبر إهمالها إصلاح قطاع العدالة المحلية.
تماسك السلطة التنفيذية تطلّب مؤتمراً في الدوحة وتدخّلاً أجنبياً وعربياً في القضايا الداخلية. ويبدو أنّ تماسك السلطة التشريعية سيحتاج إلى مزيد من هذا التدخّل. أما السلطة القضائية، فحرمت هيبتها بعد تفضيل القضاء الدولي عليها، وستحتاج إلى أكثر بكثير من تدخل عربي ودولي لإصلاحها.