شيماء الصراف *في تشرين الثاني / نوفمبر 2007، أصدر الشيخ محمد حسين فضل الله فتوى بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: يحق للزوجة أن ترد على عنف زوجها بمثله دفاعاً عن نفسها: 1ـــ الضرب تقابله بالضرب، 2ـــ منعها حقوقها من النفقة والجنس تقابله بمنعه حقوقه عليها. في تشرين الأول / أكتوبر 2008، أفتى الشيخ السعودي عبد المحسن العبيكان بفتوى مماثلة، أعقبتها فتوى الشيخ التركي فتح الله جولي. اختلف شيوخ الأزهر بين موافق ومعترض. المعترضون وصفوا هذه الفتاوى بأنها «مدمّرة للبنيان الأُسري»، وأنها «خراب بيوت»، ولا أعتقد أنهم يقصدون بذلك دفاع الزوجة عن نفسها ضد اعتداء إذلالي قمعي أو مشوِّه وقاتل، بل قصدوا العملية ككل: اعتداء الزوج ورد
الزوجة.
الإسلام يحترم حريّة الفرد وإرادته ما دامت في حدودها من سلوك عادل بنّاء. الحديث / القاعدة التي تحكم وتنظِّم علاقات البشر بعضهم ببعض هي: «لا ضرر ولا ضرار»، وتجد لها تطبيقاً شافياً كافياً في عقد الزواج. وبدءاً فهو كغيره من العقود، على كل طرف فيه القيام بواجباته المترتبة عليه واحترام حقوق الآخر.
ولأنه عقد ذو خصوصيّة معيّنة، من بناء أُسرة وتربية أطفال، فقد وُضعت قواعد إضافيّة خاصّة به تقوّيه وتسنده.
تُبنى العلاقة الزوجيّة على «المودّة والرحمة»، فإن تعذّر ذلك وحصل للزوجة نفرة وكره لزوجها فأمامها «الخلع» لإنهاء عقد الزواج، وإن لم يطقها هو بحيث استحال عليه عشرتها ومعاملتها «بالمعروف»، ينفصل عنها، تطليقها «بإحسان» أي إيفاؤها حقوقها من مهر ونفقة وغيره. هذه الإجراءات يجب أن تتسم من الجانبين باحترام
الآخر.
لم يضرب الرسول زوجة قط، وقد قال في من يضرب زوجته: «ليس أولئك بخياركم». وحين جاءت الصحابية فاطمة بنت قيس تستشيره في من تتزوج، وقد خطبها ثلاث، نهاها عن أحدهم لأنه ضرّاب للنساء. وتدخّل بنفسه لتطليق امرأة بعدما جاءته وأخبرته ضرب زوجها لها.
الزواج ليس بعقد بيع تصبح المرأة بموجبه ملكية للزوج فيفعل ما يشاء. موقف الشريعة ظهر في قواعد الفقه وفي الواقع العملي. من الأمثلة قول الإمام الشافعي: الضرب مباح بشروط، ولكن تركه أفضل. أما الإمام أبي حامد الغزالي فقال: «... وأعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها».
رأى الفقهاء نشوز الزوجة من الكبائر، فهو معْول هادم للحياة الزوجية، ولكنهم عدّوا «الاستطالة» على الزوجة من الكبائر أيضاً، فهي معول هدم مماثل. وبالعموم بلغ من التزام الأزواج بأحكام الشريعة والفقه أن أحدهم كان لا يجرؤ على ضرب الزوجة في حالة اعتدائها هي عليه بالضرب، تحسّباً من الخرق والتجاوز، بل يلجأ إلى القضاء ليفصل في الأمر. القاضي؟ نعم، إنه حيادي مستقيم. ولكن قراءة لكتب التراث تبيِّن أنه لا ينصف الزوجة فقط، بل يحيطها
برعايته.
ما الذي يحدث اليوم؟ مجتمعات تحفل بعتاة تائهين، يعانون الهزيمة والكبت، يتلفّتون: أما من متنفّس؟ نعم، إنه الضعيف المستضعَف مهما كان جنسه وصفته، ومنهم المرأة بنتاً، أختاً، بنت عم أو خال. أما الزوجة موضوع حديثنا هنا، فلم تعد المسألة معالجة نشوزها، فقد يجهل الزوج القاعدة وفحواها وهدفها. ما يدركه أنّ عقد الزواج يمنحه سلطة وهو يستخدمها وسيلة لتفريغ عقده النفسية، معاناته من اضطهاد الآخرين له وعدم استطاعته
مجابهتهم.
منذ قيام المجتمعات البشرية، كان ضرب الزوج والزوجة بعضهما بعضاً موجوداً، ومنذ القديم كان الأمر يصل، من الجانبين أحياناً، إلى الإعاقة أو القتل. في السابق، وفي المجتمعات العربية والإسلامية عموماً، كانت الدولة تقوم بواجبها في حماية المرأة، وكان التكافل الاجتماعي قوياً، وهناك مروءة، حميّة وتذمم.
كانت نساء المجتمع الثريات يبنين الدور، المدارس، الأربطة (جمع رباط)، أوقافاً على الأيتام والنساء ذوات الظروف الحياتية الصعبة من أرامل ومطلّقات وغيرهن، وتُخصّص أوقاف أخرى للإنفاق على الجميع، العناية والرعاية، وتأهيلهم حسب ميولهم وقابلياتهم، وذلك بكل فروع العلوم والصنائع ومجالاتهما، لكي يواجه أحدهم ـــ الأيتام والنساء ـــ الحياة بثقة وهمّة في المجتمع.
اليوم تُهان الزوجة وتُضرب علناً في الشارع والبيت، ويصل صراخها إلى الآذان، تستنجد ولا من معين، يتفرّج عليها المارّة، ويواصل الجار ما يفعله من دون أن تهتزّ له جارحة. الأنكى من ذلك أن هناك من العائلات ـــ وعددها في ازدياد ـــ من تتجاهل الحال المزرية لابنتهم وترفض إيواءها وحمايتها، وخصوصاً إن كان لها أطفال.
قد يُتحجج بالنفقات وقلّة ذات اليد... لذا فالزوجة تحتمل ولا تترك البيت: لا حامي ولا معيل لها، عاجزة عن إعالة نفسها، والدولة بمؤسساتها المختلفة لا تقدّم الحماية والعناية اللّازمة
لها.
فتاوى الشيوخ تذكير للزوجة / الإنسانة بحقها في الدفاع عن نفسها عند تعرضها لاعتداء ظالم من الزوج. ولكنه ليس حلًّا للمشكلة. فهذه تكمن في العلاقة نفسها، علاقة خربة بائسة، والسبب سلوك غير سوي للزوج، إنها علاقة لا تنتج إلاّ بلاءً للمجتمع، حيث ينشأ الأطفال محمّلين بأنواع الأمراض النفسية، كيف لا وهم يرون أماً تُضرب وتستغيث أو تسكت مذبوحة من الألم. ما هي نظرتهم إلى الأب؟ صورة أخرى: الأب يسبّ ويشتم أمهم صارخاً وهو يضربها، وهي تبادله الصراخ والشتم والضرب. أطفال في بيوت كهذه لن يكونوا، مستقبلاً، إلاّ أدوات تخريب ودمار
للمجتمع.
الحل كما أعتقد، بيد الدولة، فهي الوحيدة القادرة على التحرّك الفعلي والفعّال عبر مؤسساتها لغرض حماية المرأة والأخذ بيدها، إنقاذها وأولادها من الدمار والضياع ومحاولة بدء حياة أخرى.
* قانونية وباحثة عراقية