الزميل عمر حرقوص يتألم على سرير في مستشفى الجامعة الأميركية. إنه ليس الألم الذي اعتاده عمر، بل وجع سببه اعتداء شبان عليه، تجمّعوا لمنع إزالة لوحة الشهيد خالد علوان في الحمرا
أحمد محسن
عند الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس، تجمّع شبّان من الحزب السوري القومي الاجتماعي بالقرب من «نزلة الدومتكس» في الحمرا. وعلى الفور، توجّه بعض الصحافيين إلى هناك، بغية الاستطلاع. بدا كل شيء روتينياً، حتى اقترب بضعة شبّان نحو الزميل في «أخبار المستقبل»، عمر حرقوص، بحسب ما ذكر زميلان كانا في المكان، وسألوه عن اسمه، فيما كان يحاول طرح بعض الأسئلة على المتجمهرين. حاول حرقوص أن يكون لطيفاً مع الشبّان، بغية إفهامهم أنه مجرد صحافي يؤدي عمله وحسب. أخبرهم أنه يصوّر، وأشار إلى الكاميرا مبتسماً.
إلا أنّ الشبان القوميين لم يقتنعوا. وتوالت صرخة أحدهم: «إنتَ يسار ديموقراطي يا يهودي...». وفي ثوانٍ قليلة، راح يتردد اسم «عمر حرقوص» بصوتٍ مرتفع ومتسارع مع دعوة للهجوم عليه. استدار حرقوص، وحاول الانسحاب، بعدما فقد أي أمل في الحوار مع الشبّان. إلا أن نيته بالرحيل لم تقنعهم. انتظروا استدارته، وانقضوا عليه، من دون أن يتفوّه بأي كلمة. صوّب الكاميرا إلى وجوههم فقط، من دون أن يعلم أن الكاميرا قد تسبب كل هذا الخوف لهم.
ولم ينته الضرب إلا بعد تدخل عدد من المواطنين والزملاء الموجودين في المنطقة، الذين نقلوا الزميل حرقوص إلى مستشفى الجامعة الأميركية، وأكّد عدد منهم أنّ حرقوص تعرض للضرب بشدة، وكانت الدماء تسيل على وجهه وثيابه. وفي هذا الإطار، استغرب أحد الموجودين، عدم تدخّل أيٍّ من عناصر القوى الأمنية، الذين كانوا على مقربة شديدة من الحادثة. وبعد نقل الزميل حرقوص إلى المستشفى، علمت «الأخبار» أن الجيش اللبناني أوقف خمسة أشخاص، اعترف أحدهم بالضرب المتعمّد لحرقوص، فيما تستكمل بقية التحقيقات مع الآخرين.
وفي تفاصيل الحادثة، علمت «الأخبار» من مسؤول أمني رفيع المستوى، أن اتصالاً صباحياً تم مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، بهدف إعلامه بإزالة اللوحة التي تحمل اسم الشهيد خالد علوان في شارع الحمرا، وفقاً لقرار مجلس الأمن المركزي إزالة كل الصور والشعارات من محافظة بيروت الإدارية، وذلك بالتنسيق مع الأحزاب والمراجع الأمنية المختصة. إلا أن الحزب القومي، أكد حصوله على قرار من رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، يقضي بتسمية الساحة باسم الشهيد خالد علوان. ووفقاً للمصدر ذاته، أبلغت المراجع الأمنية المسؤولين القوميين بضرورة إبراز القرار، أو اللجوء إلى محافظ بيروت بهدف جعل التسمية قانونية. وعلى هذا الأساس، تأجّل العمل على إزالة اللافتة (ومعها عدد من صور الرئيس رفيق الحريري والمفتي الراحل حسن خالد). وبعد الظهر، سرت شائعة عن نية عمال من بلدية بيروت إزالة اللافتة، فحصل التجمع المذكور، لمحازبي الحزب القومي ومناصريه في مكان الحادثة، والذي قدّره المصدر الأمني بثلاثين شاباً. وبعد وصول حرقوص، وقع الاعتداء.
بعد ساعات قليلة، بدأت بيانات الاستنكار بالصدور عن الإعلاميين، وعن بعض الحركات السياسية، التي استغل بعضها الحادثة لشن هجوم عنيف على الحزب القومي. من جهته، أصدر الحزب القومي بياناً، اتهم فيه الزميل حرقوص بافتعال الإشكال، مشيراً إلى مشادة كلامية، على خلفية «انتهاك حرقوص لحرية أحد القوميين، محاولاً تصويره بالقوة»، معلناً أن «الشاب المعني بالإشكال سلّم نفسه للقوى الأمنية». وبعدما أدان الحزب ما جرى، وتمنى لحرقوص عودته السريعة إلى مزاولة عمله، أكّد مصدر في الحزب القومي لـ«الأخبار» أن حرقوص «لم يكن مقصوداً في ما جرى، وأن الحزب لم يستهدفه، وأن ما جرى هو حادث فردي ومدان».
أما عن حالة الزميل حرقوص، فأكثر إصاباته في الوجه والرأس والرقبة. سريره في مستشفى الجامعة الأميركية كان مشبعاً بالألم. لقد تعرّض للضرب لأنه صوّب كاميرا إلى بعض الوجوه.