نظّمت دائرة المفكّرين الأحرار في كليّة الفلسفة والعلوم الإنسانيّة في جامعة الروح القدس الكسليك لقاءً بعنوان «محمود درويش في الذاكرة»
الكسليك ــ جوانّا عازار
«دخلت إلى مخيّم عين الحلوة في صيدا ورأيت مجموعة من الفلسطينييّن يجتمعون حول طاولة يأكلون الزيت والخبز، إنّه زيت من جنين قالوا باعتزاز». هكذا تعرّف أستاذ العلوم السياسيّة الدكتور لويس حنينه إلى الشعب الفلسطينيّ «فأصبحت قراءتي لقضيّتهم مختلفة وأكثر إنسانيّة». كلام حنينه جاء خلال لقاء في جامعة الروح القدس الكسليك، أداره جورج يرق.
تناول حنينه درويش المثقّف، إذ «لا يمكن نكران جمال لا هويّة له، رغم الاختلاف السياسيّ، يمكنني أن أسمع مارسيل خليفة وأن أقرأ درويش جماليّاً وقد عشت هذه التجربة في التمييز بين ما أعتبره ضرورة سياسيّة وما أقتنع به أنّه ضرورة جماليّة». من هنا كانت قراءة حنينه لشعر محمود درويش الذي اعتبره أكثر من مقاوم بالكلمة ووصفه بشعار الـ «Porte-drapeau» الذي يقود المسيرة ويمشي على رأسها، وهي قدرة لا تتوافر لأيّ كان، إذ لا يرسل ضعيف أو خائن أو متردّد لقيادة المسيرة.
وقال: «يمثّل درويش المظلومين، فهو شاعر الشعب الفلسطينيّ، لا شاعر رسميّ للدولة الفلسطينيّة». وأشار إلى «رسالة من المنفى» التي كتبها درويش ناقلاً فيها جزءاً من معاناة الحياة الفلسطينيّة التي سيعيشها، حسب حنينه، الفلسطينيّون وأولادهم وأحفادهم لأنّ القضيّة الفلسطينيّة لن تحلّ. أما موضوع الفلسطينييّن في لبنان، فقصة ثانية غير قابلة للنقاش، على حد تعبيره.
ولفت حنينه إلى أنّ درويش يكتب عن فلسطين بالمرارة عينها كما لو كان يكتب عن خسارته لصبيّة جميلة وبالشوق عينه ليعود إليها، مشيراً إلى أنّه «لو عرف اللبنانيّون محمود درويش لكانوا قد فكّروا بأنفسهم بطريقة أوعى ولقرأوا واقعنا بإنسانيّة».
توقف حنينه عند جماليّة الذكرى لدى درويش التي تتوّج باستخدام التعابير التي يصف فيها والدته ليصف فلسطين، وبرهافة التعابير التي تظهر في الغزل الذي يكتبه. هل للشاعر لون؟ هل يحقّ للشاعر أن يكتب تاريخه كما يريد؟ لماذا لم يكتب درويش عن بيروت؟ أسئلة طرحها الدكتور حنينه، مؤكداً أنّ «مشكلة لبنان السياسيّة ستبقى العلاقة المشوّشة بين لبنان وفلسطين». وقال: «لو أخذ المسيحيّون خياراً مغايراً عام 1948 لتغيّر ربّما وجه لبنان، وإنّ قضيّة فلسطين ستبقى قضيّة لبنان».
أما رئيس دائرة المفكّرين الأحرار أنطوان أبي داوود، فقدّم مقاربة فلسفيّة لشعر محمود درويش، وتحدّث عن التزام الشاعر الجمال التغييري، ورفضه خطاب التعصّب والدعوة إلى التشارك بدلاً من الانقسام. وقال: «لا بدّ من الانحناء أمام الشاعر الذي غنّى الهويّة الإنسانيّة حتّى عندما دعا إلى المقاومة بالسلاح، كان من سلاحه يزهر زهر اللوز». كذلك يمثل درويش بالنسبة إلى المواطنة الجنوبيّة ايفون أبي سمرا شاعر الأرض الذي صالحها من خلال شعره مع الفلسطينيّ التي أساء إليها كما قالت.
لكن عميدة كليّة الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة الروح القدس الدكتورة هدى نعمه رأت أنّ درويش وجد نفسه يسبح في أجواء فوقيّة، ولم يعش أزمة الفقير عن كثب.