إيلي شلهوبغريب كيف عاد طيف أبو عمار يطفو فوق البحار المنسية على أطراف الذاكرة. لعله حلم ليلة ظلماء تحاكي سوداوية الحال التي آلت إليها فلسطين وقضيتها. وربما هو العجز عن استيعاب واقع التشرذم الذي أصاب إخوة النضال وأطاح وحدة البندقية. أو قد تكون مراهقة سياسية تستحضر «القائد الرمز» أملاً براحة نفسية توفّرها استعادة أيام العز، أو ببصيص ضوء في نهاية النفق. على الأرجح هي المشكلة التي لم تزل قائمة مع ياسر عرفات منذ اتفاقات أوسلو وما تلاها من صولات وجولات أعادت توجيه البوصلة نحو مسار تفاوضي بخّس القضية ولم يُعد الحقوق، وإن كان هناك من يثني على تلك الفعلة التي أمنت عودة المقاومة إلى الأراضي المحتلة. فعلة، الحكم فيها للتاريخ وحده، حملت أولى بذور الانقسام الحالي، الذي عززته «نُخب»، على شاكلة محمد دحلان وإخوانه، كانت نتاجاً لأساليب حكم أبو عمار الذي عمّم الفساد والإفساد، بعدما وضعت فلسطين رهينة على مشرحة الاحتلال الذي عاث فيها تقطيعاً.
لكنه يبدو طيفاً لزعيم ثورة وقع ضحية تواطؤ قادة عرب تحوّلت فلسطين إلى عبء عليهم لا يعرفون كيف يتخلصون منه. شبح مسكين يروي حكاية مريرة عن لجوء مستمر من أرض الوطن إلى الكويت فمصر والأردن ولبنان وتونس... قصة خيانة عربية بدأت مع حسين الهاشمي والسادات الفرعوني. فصل عن محاولات لمصادرة القضية، وآخر عن محاولات لبيعها في عواصم القرار العالمي. مشهد لحصار استمر نحو عامين لمبنى المقاطعة برضى المتربعين على عروش الأمة انتهى بوفاة غامضة.
رواية لا تزال فصولها تتوالى. آخرها هذا الحصار المفروض على غزة وأهلها منذ نحو 18 شهراً، الذي تُفاقم مرارته حقيقة أنه يجري بمشاركة «الإخوة». المساعدات التي أقرها وزراء الخارجية العرب أخيراً لا تغير من هذا الواقع شيئاً. ليست أكثر من ذر رماد في عيون شعوب تبدو أدمنت وسائل التخدير، العقلي على الأقل.
إنها حكاية شعب أسير يُُمعن المعتدلون العرب وإسرائيل في التنكيل به عقاباً له على مقاومته. ما أهون ظلم الاحتلال مقارنةً بظلم ذوي القربى.