ترافق انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية مع احتفالات أميركيّة وعربيّة أثنت على الديموقراطيّة الأميركيّة التي قيل إنّها كسرت جدار العنصريّة والتمييز الطبقي. لكن، ألم تكن هذه الاحتفالات مبالغاً بها؟ هنا محاولة للإجابة
أسعد أبو خليل*
أطرى المفكر الفرنسي المحافظ ألكسي دي توكفيل في كتابه المهم «الديموقراطية في أميركا» (مُترجم إلى العربية) هذه البلاد التي زارها وجال في مختلف أنحائها بهدف دراستها وفهمها. أبدى إعجابا بما سمّاه عالم السياسة الأميركي روبرت بتنم بـ«الرأسمال الاجتماعي» في إشارة إلى تكافل أهل البلدات في أعمال اجتماعية وسياسية. لكنه عبّر عن ملاحظتين نقديّتين: حذّر من أن العرق سيشكّل انشطاراً سياسيّاً في مستقبل الديموقراطية الأميركية، كما أنه امتعض من نزعة الأميركيين نحو مديح الذات. وقال إن الأميركي يريد من كل زائر أجنبي أن يغدق المديح على أميركا، وإن لم يفعل قام هو نفسه بتقديم المديح. وأميركا لم تتوقّف منذ انتخاب أوباما عن الإغراق والاستغراق في المديح الذاتي. «فقط في أميركا» هو الشعار السائد. وتوماس فريدمان في مقال له عبَّر بسطحيِّته وسهولته (غير الممتنعة) عن الإعجاب الذاتي بأميركا عندما قال: «أليست هذه بلاد عظيمة؟» والإعلام العربي ساهم أكثر من غيره من الإعلام الأجنبي في حفل الثناء.
الإعلام السعودي الذي كان حتى أسبوع قبل الانتخابات يناصر جون ماكاين لظنِّه (أو لرغبتِه) أن الأخير سيضيف حرباً تحريريّة أو اثنتين إلى سجلّ الإمبراطوريّة الأميركيّة، عاد وعدّل من موقفه. وطلعت جريدة الأمير سلمان (وهي غير جرائد لأمراء آخرين من آل سعود) بتنظيرة مفادها أن أوباما مفيد للمملكة السعودية، مع أن خطب المرشحين الرئاسيين تضمّنت سخرية ونقداً لطغيان أنظمة النفط الشرق الأوسطية. (طبعاً، سيستمرّ أوباما في التقليد الأميركي الذي يدعم بالمال أو السلاح الأنظمة التسلّطيّة التي تماشي صاغرة المشيئة الأميركيّة). نشرة المستقبل السلفي طلعت بمقابلة مع روبرت ماكفرلين المنبوذ (وعرّفته بأنه مستشار لماكاين) قال فيها الأخير إن ماكاين ـــــ إذا ما أتى رئيساً ـــــ سينسِّق مع حجة السياسة والمعرفة، نادر الحريري، مرة في الساعة، على أقل تقدير، وإن معرفة «الحقيقة» ستكون شغل الإدارة الشاغل. أما ما بقي من الإعلام العربي غير الخاضع لمال آل سعود أو آل الحريري، فقد أبدى حماسة مفرطة أيضاً لانتخاب أوباما. وكاد عبد الباري عطوان أن يجعل من انتخاب أوباما حدثاً يضاهي في أهميّته دخول عمر بن الخطاب إلى باب المقدس. لمذيعة القديرة في محطة «الجزيرة»، إيمان عيّاد، التفتت إليّ أثناء تغطية ليلة الانتخابات الأميركية وقالت: «لماذا نشعر أنه واحدٌ منا؟» قلت لها: لكنه ليس واحداً منا، وهو أنفقَ وقتاً في حملته الانتخابية لنفي أي علاقة له بنا. وحده (أو يكاد) أنسي الحاج خرج عن إجماع الأمة وذكّر القراء العرب بالفارق (المعدوم) بين حزب العمل والليكود. كان ممثل المنظمة في باريس يفتح زجاجات الشمبانيا في احتفالات شبه رسميّة عند فوز حزب العمل بالانتخابات، كما فُتحت زجاجات شمبانيا في عواصم عربيّة احتفاءً بانتخاب جورج بوش الابن. يروي جهاد الخازن حبور عمرو موسى (الذي يستحق منصب الأمانة العامة للجامعة العربية مثلما يستحق سعد الحريري كرسي الدراسات الفلسفيّة في أية جامعة) عند سماعه خبر فوزه على منافسه آل غور عام 2000. وموسى في الدبلوماسية المصرية يُعتبر خبيراً في السياسية الأميركية (وشعبان عبد الرحيم يحبّه كثيراً). ومروان حمادة ووليد جنبلاط طمأنا شعب 14 آذار من أميركا إلى أن لبنان هو أولويّة عند الإدارة الجديدة (وكان وليد جنبلاط في رحلته الوداعيّة إلى أميركا نبيلاً في تقديره لبوش وعبّر عن شكره لأن إدارة بوش «منعت» العدوان الإسرائيلي على لبنان. لا ندري ما قصد بكلامه، وحلفاؤه الجدد في حزب الله لم يسائلوه. ولم ينسَ جنبلاط أن يزهو بلقائِه بمارتن إنديك، ركن أساسي في شبكة اللوبي الصهيوني هنا، وأن يتحدّث عن... فلسطين مع إليوت أبرامز. والتقطت ميكروفونات الإعلام صوت وليد جنبلاط وهو يقول للبطريرك الماروني إن «كوندي» رايس «مُحِبَّة». لم يسأل أحد من الصحافة جنبلاط إذا ما كان يقصد أن رايس «مُحِبّة» لأطفال قانا ومروحين).
لكن الإفراط في مديح انتخاب أوباما يأتي لتعزيز أسطورة الحلم الأميركي، وهي الأسطورة المؤسِّسة للبلاد. وأسطورة الحلم الأميركي يعادُ تدويرُها بانتظام في الثقافة السياسية والشعبية هنا، وهي تزعم أن أميركا ـــــ وحدَها من كلّ الأمم ـــــ تسمح بالصعود الطبقي للفرد من دون عوائق. أي إنها دولة تكافؤ الفرص، مع أن الثقافة السياسية الأوروبيّة المتأثِّرة بالتراث الاشتراكي لا ترى أن تكافؤ الفرص يكفي من دون تكافؤ نتاج التنافس في السوق والمجتمع. وأدرك الفيلسوف الأميركي جون رولز هذه النقيصة في كتابه المهم «نظريّة في العدالة» والذي يدعو فيه إلى اختيار مبادئ العدالة من وراء «حجاب من الجهل» منعاً لتوزّع غير عادل للمنح أو الفرص أو للكفاءات، ولإقصاء تفاضليّة المولد. لكن الثقافة السياسية الأميركية مبنيّة على مفهوم الحريّة السلبيّة فقط، لا على ما سمّاه المفكر البريطاني، أزايا برلين، «الحريّة الإيجابية» التي تستدعي تدخلاً من الدولة، وهذا يفسّر لماذا تحتل الولايات المتحدّة مركزاً متدنياً بين الدول (مثلها مثل منطقة الشرق الأوسط) في ميزان التساوي في توزيع الدخل. دور الدولة في السوق في أميركا منخفض عن دوره في دول غربيّة أخرى، وعندما يأتي هذا التدخل ـــــ كما أتى أخيراً ـــــ يأتي دوماً لمصلحة الفئات الأكثر ثراءً ولمصلحة الشركات الكبرى المرتبطة بالحزبين المُتداوِلين للسلطة. وأفلام هوليوود تروّج لفكرة الحلم الأميركي عبر التركيز على قصة (حقيقيّة أو خياليّة، لا فرق) تروي حظاً ناجحاً لأميركي فرد، أو فقير استطاع أن يصبح ثرياً، كأن أوراق اليانصيب لا تُباع إلا هنا. فالحلم الأميركي يركّز على الاستثناء، لا على القاعدة. هو يتحدّث عن مهاجر أتى إلى هنا وأصبح فاحش الثراء، لكنه لا يتحدّث أبداً عن ملايين المهاجرين الذين يعيشون ويموتون في فقر مدقع. وفكرة «الحلم الأميركي» لا تختلف عن «أسطورة المعادن» في جمهورية أفلاطون، لأن الأخير رأى ضرورة للاستعانة بفكرة مزروعة في العقول والمناهج الدراسية من أجل تسويغ عدم التساوي في الفصل بين الطبقات الثلاث في الجمهورية. «أسطورة المعادن» كانت ضروريّة في جمهوريّة أفلاطون لأنها تدعم القناعة (وهي ليست كنزاً). الحلم الأميركي يحاول أن يخفي عدم التساوي الكامن في النظام السياسي وفي المجتمع، كما أنه يزرع (مثل «أفيون الشعوب») أملاً بين الناس، ولا سيما بين الفقراء الذين يتوهمون أن الحلم الأميركي يمكن أن يصيبَهم كما يُصاب المرء بالجذام. إنها معانقة البؤس، كما سمّاها نيتشه.

أوباما وحدود الديموقراطيّةوفي استعارة مما سبق، يمكن القول إنه لا يمكن الأسود أن يصل إلى سدّة الرئاسة هنا إلا إذا تخلّص من لون بشرته (مجازياً) أثناء حملته الانتخابيّة. وهل يمكن الأسود أن يحكمَ كأسود في ظل نظام نشأ على عقيدة سيادة البيض؟ (هناك كتاب لعالم سياسة أميركي بعنوان «بيانو نيكسون» يتضمّن حججاً مقنعة عن عنصريّة كل رؤساء أميركا من واشنطن إلى كلينتون (حتى صدور الكتاب). ولم يكن أوباما أول مرشّح أسود للرئاسة، لكنه كان أوّل مرشح أسود غير أسود. أي إن أوباما نأى بنفسه عن السود كسود في حملته الانتخابيّة، التي لكثرة ما استعملت رموزاً كوديّة عنصرية، كان آخرها قبل أسابيع من الانتخابات عندما ذكّر السناتور جو بيدن بأن أوباما كان قد تربّى على يد أمه وجدته وجده (البيض). أي إنه أراد تذكير الناخب بأن أوباما ليس أسود بالكامل، بل هو خلاسي كما تقول مصطلحات التصنيف العنصري. وأوباما نفسه ذكّر الناخبين والناخبات بأنه نصف أبيض ونصف أسود. ولم يتحدّث أوباما كأسود في خطبه المهمة والتأسيسيّة، بل كأميركي شديد الاعتزاز بأميركيّته. وكان حسّاساً جداً نحو البيض من العنصريّين في حديثه العام والمحافظ عن العنصريّة التي لم يدِنها، بل أبدى تفهماً نحوها. لم يحاول أوباما أن ينقل هموم السود وشكاواهم من العنصريّة المستمرّة في هذه البلاد (تناول عالم الاجتماع الأبيض، أندرو هاكر، في كتابه «أمتان» بالوثائق والأرقام والإحصائيّات حقيقة عدم المساواة والجوْر في المجتمع والاقتصاد والسياسة في هذه البلاد ونسبة الفقر عند السود، مثلاً، هي ضعف نسبتها عند البيض، كما أن احتمال توقيف الشرطة لأسود هو 75 ضعف تلك النسبة للرجل الأبيض، إلخ). أوباما دعا الناخبين والناخبات إلى الاقتراع له رغم اسوداد بشرته، لا بسببه. وكان واعياً للصورة النمطيّة السائدة لدى البيض عن الرجل الأسود بأنه غاضب (مثل صورة «العربي الغاضب»)، عبر الإفراط في الهدوء والتهذيب والسكينة، وإن كانت من سلوكه ومن طبعه وخلقه.
والسؤال الأهم، هل يمثّل فوز أوباما دليلاً على اضمحلال العنصريّة العرقيّة في البلاد، أم أنه غير ذي بال؟ لا يكمن الجزم بأن العنصرية اضمحلّت أو تقلّصت وقت تتكاثر الدلائل على استمرار العنصرية، وحتى الفصل العنصري في المدارس الأميركية (فعلاً لا قانوناً) لا يزال سارياً بعد عقود من تحريم الفصل العنصري في المدارس. وينسى المعلّقون العرب أن أوباما لم ينل أكثريّة أصوات البيض، التي نالها (بأكثرها) منافسُه ماكاين. ونال ماكاين، على سبيل المثال، 90% من أصوات البيض في ولاية ألاباما. لكن فوز أوباما كان نتاج تحالف اقتراعي غير معلن بين فئات متعددة وملوّنة: فقد نال نحو 95% من أصوات السود، ونحو 70% من أصوات ذوي الأصل اللاتيني، بالإضافة إلى نسبة مماثلة عند الآسيويّين. والعرب والمسلمون في البلاد (وهم غير أبرياء من العنصريّة، وهي فاقعة في جهارتِها في بلد الأرز وموطن ثورة الترمس والبرسيم) نزعوا نحو الحزب الديموقراطي بعد 11 أيلول مع أنهم تاريخيّاً كانوا في معظهم من الجمهوريّين بسبب محافظتِهم الاجتماعية وظنّهم أن الحزب الجمهوري هو أكثر تأييداً للعرب، أو أقل حماسة في مناصرة إسرائيل. لكنّ أوباما كان واضحاً في حملته: فهو لا يريد تأييد العرب والمسلمين، ويريدهم بعيداً عن صورِه الانتخابيّة. ترك أوباما صديقَه رشيد خالدي في مهبّ الريح، وعرضةً لحملات تجنٍّ وذم جعلت منه إرهابياً خطيراً (وأنا نصحت لرشيد ـــــ أستاذي لسنوات في بيروت ـــــ ألا يحمي صديقَه، ويصرّح بأن أوباما كان بالفعل واضحاً في مجالسه الخاصة في شيكاغو في نقد إسرائيل قبل أن يُصاب بحُمّى الترشيح الرئاسي الذي يصيب ضحاياه أول ما يصيبهم بالتعصّب الصهيوني الأعمى).
لعبت المرأة الأميركيّة دوراً بالغ الأهمية في فوز أوباما. والرجل الأبيض لم يقترع (في أكثريّته) لأي رئيس أبيض منذ صعود جيمي كارتر في 1976. أي إنه لم يكن ليصل إلى البيت الأبيض أي ديموقراطي، لو كان الأمر بيد الناخب الأبيض حصرياً. لكن المرأة في هذه البلاد تجنح باطّراد نحو الحزب الديموقراطي، وهذه الظاهرة تُسمّى هنا «هوّة الجندرة» (والهوّة هي غير «الكوّة» التي كان فارس خشّان يقول إن خطب بشار الأسد تُحدثها في جدار العدو الإسرائيلي). والمرأة تهاجر من الحزب الجمهوري وتقترع بنسب أكثر من نسب الاقتراع عند الذكور. والمرأة لا ترى في حلّ القضايا الاجتماعية صدى إيجابياً في برامج الحزب الجمهوري، مع أن بوش نجح في تخويف النساء في عويله عن الخطر الإرهابي وتصوير نفسه بأنه حامي الحمى.
والتحليلات في بلادنا عن الانتخابات الأميركية ركّزت على السياسة الخارجية كأنها هي التي أتت بأوباما رئيساً. لكن استطلاعات الناخبين والناخبات أجمعت على أن العامل المُقرِّر كان في أمور الاقتصاد الضاغط. الحالمون القوميّون في بلادنا ظنوا أن الشعب الأميركي ضاق ذرعاً بالظلم الذي لحق بالشعبين الأفغاني والعراقي جرّاء الاحتلال الأميركي. نسي هؤلاء أن نسبة 8% أو أقل اقترعت على أساس الحرب الجارية في العراق. على القراء (والقارئات) في العالم العربي التيقّن من أن العراق غاب بصورة شبه كليّة عن سجالات السياسة هنا. وقع الكل تحت تأثير دعاية نجاح سياسة «الاندفاع» في العراق، كأن انخفاض عدد القتلى هناك هو دليل على نجاح غزو العراق. حتى أوباما (الذي يبدو كأنه نسي أنه خاض الانتخابات بداية على أساس معارضة الحرب) لم يعد يذكر موضوع معارضته للحرب وطوّع موقفه من الانسحاب من العراق، وأخّر موعد انسحاب القوات الأميركية منها، وتحدّث عن ضرورة إبقاء وحدات قتاليّة لأهداف محاربة الإرهاب. لم يحدّد عدد القوات، مما يذكّر بأن هاري ترومان شن حرباً في كوريا معترفاً فقط بوجود «قوات من الشرطة» الأميركية. كما أن ليندون جونسون كان يتحدّث عن «مستشارين عسكريّين أميركيّين» فقط في فيتنام.
ويتحدّث الأميركيّون بكثير من الاعتزاز عن انتقال هادئ للسلطة، ويقولون في كل مرة يُنتخب فيها رئيس إنه «لا وجود للدبابات في الشوارع». أنا أذكِّر طلابي من الأميركيّين (في مادة «الحكم والسياسة في أميركا») دوماً بأن أميركا ليست الديموقراطية الوحيدة في العالم. هناك اليوم ما يقارب مئة نظام ديموقراطي في العالم (طبعاً، لا ينتمي لبنان إلى قائمة الأنظمة الديموقراطية، لكنه يستحق أن يُدرج في قائمة الأنظمة الخاضعة لحكم عائلة ثرية، أو في قائمة الأنظمة المُندرجة في خانة دول الدمى المُسيّرة من قبل التحالف الأميركي ـــــ السعودي ـــــ الإسرائيلي في الشرق الأوسط)، وهناك أنظمة ديموقراطية عريقة، ومنها من يتفوّق على النظام الأميركي في كثير من جوانبه. ونسبة تمثيل النساء والأقليات في أميركا هي أدنى من تلك النسب في معظم الدول الديموقراطية الغربيّة، لأن النظام الانتخابي هنا معمول على أساس الدائرة الفرديّة (وإن كانت أكبر من الحارة التي يريد البطريرك الماروني اعتمادها دائرة انتخابيّة في لبنان). والولايات المتحدة تعارض بعناد إدخال التمثيل النسبي في الانتخابات في الولاية أو في أكبر من الولاية، لأن الحزبيْن المحتكرين للتمثيل السياسي يعارضان كل إعادة نظر في التقسيم والقانون الانتخابي إذا أدّى ذلك إلى كسر سيطرة الحزبيْن على التمثيل الانتخابي. وحتى بريطانيا التي تعتمد النظام الأكثري في دوائر فرديّة في انتخابات مجلس العموم، تبنّت التمثيل النسبي في الانتخابات الاشتراعية المحليّة. وطريقة انتخاب الرئيس من قبل «الكلية الاقتراعية» فكرة بائدة كانت تهدف إلى ترك أمر انتقاء الرئيس إلى نخبة طبقيّة وعرقيّة. لم يعتقد مؤسّسو الجمهوريّة (الذين يُسمّون «الآباء المؤسّسين»، على طريقة مجيد أرسلان وبشارة الخوري في بلادنا المظلمة) أن العامة يتمتّعون بأهليّة الاقتراع. والأنظمة الاسكندينافية وكندا تتفوّق على أميركا في الديموقراطية في مختلف المعايير، كما أن التعلّق شبه الديني بالدستور الأميركي وعدم تغييره على مدى قرون، جعل الديموقراطية الأميركية متخلِّفة عن غيرها من الديموقراطيات في مجال حقوق الإنسان والتمثيل النسائي والأقلّوي، وفي مجال حريّات الصحافة والمحاسبة (ليس في أميركا مثلاً منصب الـ«أومبدسمان» أو مكتب المراقب العام ذي الصلاحية الواسعة الموجود في ديموقراطيات حديثة)، كما أن الولايات المتحدة تضم أكبر عدد من المساجين وعقوبة الإعدام تطاول القاصرين.
لكن عبادة أميركا منتشرة في لبنان بصورة خاصة. هناك في العالم العربي من ينتقد أميركا ويقول إن مشكلتنا معها هي في سياستها في الشرق الأوسط فقط، كأن سياسات أميركا الخارجية هي حسنة، وكأن الجور الطبقي والعنصريّة والعنف في داخل أميركا شأن هيّن. لا ندري كيف سيحكم أوباما وموضوع سياساته الخارجيّة يحتاج إلى نقاش منفصل. ولكن من المؤكد أن نصفَه الأبيض سيطغى على نصفِه الأسود في المكتب البيضاوي.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)