يقضون ساعاتهم الطويلة في قراهم البعيدة، غارقين في الصمت والنوم وفي العالم الذي تجبرهم إعاقاتهم المختلفة التي تسبب بها العدو أو عملاؤه، على البقاء فيه. لا يجد معظمهم في يوميّاته ما يثير اهتمامه. أما الإهمال، إهمال ذوي القربى من دولتهم اللبنانية، فيصيبهم، بعد غضب السنوات الأولى التي دفعت ببعضهم إلى التحرك، بالكثير من الحزن والأسى. معظمهم يعيش الحالة نفسها: مرض بصمت، ولا من يسأل عنهم. هم كثر. أسماؤهم حفرت في الذاكرة الوطنية هم أبطال مقاومون، عائدون من الموت والأسر. أما الهمّ الأكبر فاعتقادهم أن تسويف الدولة بسبب نشاطهم هذا. منهم، حسب الأسماء التي تقدمت بطلبات التعويض إلى وزارة المالية: عدنان علي علّيق المعزول في منزله في بلدة يحمر بسبب إعاقة كاملة، حسين محمد المقداد، عباس العبد حيدر، جهاد عز الدين السعدي، حسن عبد الله علي، علي محمود جابر، عبد الحسن علي عبد رشيد فيّاض، محمود توفيق الصواني، إحسان موسى كريك، إبراهيم أحمد قصير، حسين كمال ضيا، أحمد محمد عاصي، علي أحمد موسى، موسى محمود حرب، محمود محمد النميري، علي عباس عباس، مايلا أحمد صوفنجي، فادي محمود البردان، إحسان حسن فاخوري، أمين حسين الأمين، محمد علي دياب، حسين أسعد عقيل، قاسم محمد ناصر، خالد غسان ضاهر، نجيب علي عيد، سليمان إبراهيم مملوك، كريم حسين نجدي، بهيج حسن مزنر، نصرات أيوب ناصر الدين (توفّي) وموسى حمدان. وقد يكون حمدان نموذجاً، فهو غارق في صمته منذ سنوات بعدما فقد القدرة على الكلام. خلال فترة اعتقاله الأولى في الثمانينيات، عمد محقّقو الاحتلال الإسرائيلي إلى وصل الأسلاك الكهربائيّة بلسانه لأنّه لم يفشِ «أسرار المخرّبين». خلال زيارتنا في منزله، بقي الرجل صامتاً، مكتفياً بالنظر إلى زوجته التي حرصت على سرد حكاية الاعتقالات الخمسة لزوجها بتفاصيلها. تروي دلال غادر، زوجته، فيما هو يراقب حركة شفتيها ويهزّ رأسه مؤيّداً.ترك حمدان لزوجته كلّ شيء، الحديث عن اعتقالاته وإعالة أولاده السبعة والمشاركة في اعتصامات الأسرى من أجل التعويضات التي لم تُقرّ إلى الآن. فقد تقاعد هو عن المطالبة بالتعويض بعدما يئس من التنقّل بين صيدا وبيروت من دون أدنى فائدة.

راجانا...