رنا حايك
تحضّر الجدة نظارتها السميكة ونسخة القرآن ذات الخط العريض التي تمتلكها. تسارع السّيدات إلى شراء مستلزمات شهر الصيام: قمر الدين. تمر وتين مجفف، الخضار لزوم طبق الفتوش اليومي وحساء العدس الأصفر، وربما بعض الجلاب أو السوس.
يتبدّل «خط السير الروتيني» للوالد: منذ الغد، سوف يصبح محلّ الحلويات العربية محطة يومية. أما الأطفال، فينتظرون، منذ اليوم الأول، الحذاء الجديد الذي سيشترونه على العيد، و»العيدية» الدسمة التي سيجمعونها، عاجزين عن إيجاد الإجابة عن سؤال يبدو منطقياً جداً بالنسبة لهم: «لمَ لا يبيع أبو أحمد الكلاج إلا خلال شهر رمضان؟».
ربما سيجدون الإجابة يوماً ما، حين ينكشف لغز بيع «المخللات» أيام عيد الفطر على كورنيش طرابلس وفي حارات صيدا القديمة الحلزونية.
ترتبط العادات الغذائية بتراكم حضاري ممتدّ وبما يطرأ عليه من تغيّرات اجتماعية واقتصادية تبدّل ظروف حياة المجموعات وتؤثر على سلوكها. وترتبط بعض الأطباق بمواسم معينة، بينما يتوصل البعض الآخر منها إلى فرض نفسه على لوائح المواسم جميعها، وتتميّز أنواع أخرى بـ«مرونة» تبدّل من وظيفتها ولا تلغيها.
الفول مثلاً يصبح خلال رمضان سحوراً بدل أن يكون فطوراً صباحياً. يقفل معظم الفوالين محلاتهم خلال نهارات الصوم، ويفتحونها في الليل المتأخر لاستقبال متسحّرين يتناولون الفول والفتة والمشوشة والحمص بطحينة زاداً لنهار طويل من الصيام، ويتناولون معها كوباً من الشاي لدرء العطش الذي تتسبب هذه الأطباق به.
وكما أن سلطة الفتوش وحساء شوربة العدس يمثّلان الطبقين الأساسيّين على معظم موائد الإفطار يومياً، يتوّج المسلمون المعمول ملكاً على حلويات العيد: يحبّه الأطفال لمذاقه الدسم والحلو، وخصوصاً مع السّكر الناعم الذي ينثر عليه بعد إخراجه من الفرن. كما تشتاق النسوة لإعداده في المنازل. فصنع المعمول هو من أحد أهم طقوس العيد، يتجمّعن لإعداد كمية كبيرة، خلال سهرة طويلة، يتقاسمنها في النهاية. لم يتغيّر شكل هذه الحلوى منذ قرون، ولم تتغيّر أشكال التقطيعات في قوالبها، ولا محتوياتها: فعجينتها تعدّ من الدقيق والسميد والسّمن، وتُحشى بالفستق الحلبي أو الجوز، ثم يرشّ السكّر الناعم عليها في النهاية.
حلوى المشبّك التي تتوافر خلال جميع المواسم تكتسب مذاقاً إضافياً في رمضان، حين يغري «القطر» الذي يرشح منها والخط الأحمر الذي يجتاز تقاطيعها صغار الصائمين. هو أيضاً أحد أقدم أنواع الحلويات. ينتمي إلى الإرث الغذائي الأموي، صناعة استمرّت لأكثر من ألف عام، لا تزال الأفواه تستسيغها رغم كل التغييرات التي طرأت على التراث الغذائي العربي.