بدأت عادات شهر رمضان وعيد الفطر بالتلاشي في قرى البقاع الأوسط والغربي: فوجود التلفزيون والمطاعم قد غيّر واقع الحياة، وبدأت الأجيال الجديدة تخلق عاداتها التي لا تمتّ إلى عادات الأجداد بصلة
نيبال الحايك ـ فيصل طعمة
«هل الشام صامت اليوم أم لا؟»، ذلك كان السؤال الذي يوجّهه أحد أهالي قرية الروضة في البقاع الغربي إلى سائقي السيارات على الطريق الدولي التي تربط بيروت بالشام. يبرّر الحاج «أبو يعرب» ذلك قائلاً: «لم يكن هناك من وسيلة لمعرفة بداية شهر رمضان أو نهايته إلا بسؤال المسافرين على الطريق الدولية. فإن أكدوا، بدأ الصيام».
وببدء الصيام، تتغير الحياة اليومية. فيبدأ المسحراتي جولاته الليلية في القرية قارعاً على الطبل أو على التنكة وهو ينادي: «يا نايم وحّد الدايم، قوموا على سحوركم إجا رمضان يزوركم».
الجيران أيضاً كانوا يوقظون بعضهم بعضاً لتناول سحور قوامه النقوع، والخشاق، والمشمش المجفف، وقمر الدين إلى جانب الحلاوة بالنشاء أو بالسميد.
تشير الحاجة أم أحمد إلى أن التحضير المسبق لكل أنواع الحلويات كان أبرز عادات العيد، لافتة إلى انقراض معظم العادات الرمضانية: «كنا نستعد لاستقبال شهر رمضان قبل شهر، فنذهب إلى الشام ونشتري جميع احتياجاتنا من طعام وشراب للشهر الكريم. اليوم، لم يبقَ من تراث المائدة الرمضانية سوى صحن الفتوش. كان أهل الضيعة يتبادلون الطعام، وكانت موائد الإفطار منوعة، وكنا نشرب الجلّاب وقمر الدين». أما بعد الإفطار وصلاة التراويح، فقد كان أهالي القرى يتوجهون إلى الجوامع حيث تبدأ حلقات تعليم الدين والقرآن. تقليد استبدله اليوم التلفزيون بالمسلسلات الرمضانية. وكانت النسوة يتزيّن للعيد.
تخبر الحاجة أم أحمد الميس (85 عاماً) من بلدة مكسة في البقاع الأوسط كيف كانت تحضّر وأخواتها الحنة قبل يوم من العيد و«نزيّن أيادينا لنظهر بأبهى حلة».
بينما يتذكر الحاج أبو علي موسى (90 عاماً) أيام شهر رمضان التي كانوا يتحضّرون خلالها للعيد الذي حالما تعلن «إذاعة الشام» موعده حتى تتزيّن كل منازل الضيعة وشوارعها: «كانت فرق الإنشاد الدينية تجوب شوارع قب الياس والقرى المجاورة مهللةً. كما كنا ننطلق بعد صلاة العيد في وفود يقودها إمام البلدة، نجوب منازل البلدة للمعايدة والوقوف على خاطر من افتقد قريباً أو حبيباً. وكانت الضيافة وبركة العيد السّكر الفضة، والقضامة الملونة بالسكر وراحة الحلقوم يخطفها الأطفال من أيادي أهاليهم ويتجهون ركضاَ إلى «مراجيح العيد» التي نصبت خصيصاً لهم». تابع أبو عرب آسفاً أن «جواً من الألفة والزيارات المتبادلة والإفطارات والاحتفال بالعيد عند الأقارب والأصدقاء أصبح يتلاشى شيئاً فشيئاً، كل ما كنا نقوم به خلال عيد الفطر أو التحضير له أصبح من الماضي. بما فيه زيارة القبور وقراءة الفاتحة على أضرحة الموتى: هذا تقليد أساسي بدأ يتلاشى».