نسرين العويك
يحاول سكان طرابلس جاهدين أن يحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ويُبقوا صورة «الفيحاء» مدينة مُحافِظة عموماً ومكاناً لا تزال الأجيال فيه تتوارث التقاليد، وخاصة الدينية منها. يتضح هذا الأمر جلياً خلال شهر رمضان وعيد الفطر. تبدأ التحضيرات لاستقبال شهر الصوم قبل حلوله بأيام: شراء حاجيات الطبخ. تزيين المنازل والأحياء.. وتنظيم نزهة إلى الحقول القريبة من المدينة تُسمى «سيران»، تكون بمثابة وداعٍ للأكل خلال النهار لمدة شهر. هذا بالنسبة إلى العائلات الميسورة، أمّا تلك التي يتدنّى مدخولها، فتكتفي بما يسمّى «كزدورة»، أي نزهة قصيرة على شاطئ البحر.
مع أول أيام رمضان، تطبخ النساء الطرابلسيات ما يسمى «البياض» أي المأكولات التي تصنع باللبن ليكون استقبال رمضان أبيض. أمّا باقي الأيام، فتزيّنها الأكلات التقليدية، وتبقى المغربية الصحن اليومي المشترك بين الطرابلسيين. يشرح أحد المختصّين بصناعتها في السوق القديمة «أنّ التقاليد وانخفاض ثمن المغربية هما السببان الرئيسيان وراء اتّباع الناس لهذه العادة». لا تزال العائلات التي تسكن الأحياء القديمة في طرابلس تحافظ على عادة مشاركة الطعام، إذ يرسل كل منهم طبقاً من «طبخه» الرئيسي إلى جاره.
لكن تقاليد مائدة رمضان الطرابلسية لا تقتصر على الطعام، بل تتعدّاها إلى العصير. فها هو بائع «عرق السوس» يجوب الشوارع حاملاً على ظهره برميل العصير المصنوع من النحاس المبيض، تماماً كما كان يفعل والده من قبله. وينافس «عرق السوس» (الذي يرغبه الناس لأنه يساعد على الهضّم كما يرون)، عصير «الخرنوب» السكري الطعم. ويقول الحاج محمود، الذي ورث مهنة بيع العصير عن أبيه، «بأن الخرنوب لا يُضاف إليه السكّر فهو حلو بطبيعته، وهو بذلك مناسب للذين يعانون داء السكري».
يشرب الطرابلسيون الخرنوب على مدار السنة، ولا يمتنعون عنه في رمضان، بل على العكس يزيدون من شربه، وذلك إضافةً إلى عصير التوت والليمون وغيرهما من السوائل التي تساعد الصائم على استرداد بعض من الماء الذي قد خسره خلال النهار.
ولا يتفنّن أهل طرابلس بالعصير فقط، بل إنهم خصّصوا لرمضان حلويات تصنع فقط في هذا الشهر، إكراما له. فلو سألت عن العثملية أو البصمة خارج أيام رمضان لما وجدتها. وكربوج حلب هو الآخر لا يظهر إلا في رمضان، بينما تبقى القطايف التي تخبز في السوق وتباع على الطرقات أيام رمضان الحلو المشترك بين جميع أفراد المجتمع. أما خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، فتبدأ النسوة التحضير لعيد الفطر: معمول العيد المصنوع في البيت الذي تجتمع كل نساء العائلة للمساعدة على إعداده يبقى من أهم أوقات المشاركة الحميمة.
ويحلّ العيد، حاملاً معه تقاليد وجبة الفطور الصباحي الخاصة به: الكعكة الطرابلسية المحشوّة بالجبن، أو صحن الفول والحمص الذي «يكسر» به الطرابلسيون شهر الصيام، بينما يدفع حب الكبيس بالطرابلسيين إلى تناوله يوم العيد، ويسمّونه «مخلّل العيد». في هذا اليوم، تخرج العائلات، وتتجّه أولاً إلى المقابر حاملةً زهر الريحان. ثم تتمحور الزيارات على الأقارب، وخاصة المسنين منهم. وللأولاد حصتهم من العيد، إذ يتلقّون «العيدية» من الأقارب ويذهبون لقضاء ساعات طويلة في اللعب على مراجيح العيد.