ياسين تملالي *وتمنح المادة 5 وزير الداخلية والولاةَ (أي المحافظين) حق منع أي أجنبي من دخول الجزائر إذا ما اشتبه في أن وجوده فيها قد يمسّ «بالنظام العمومي» أو «أمن الدولة» أو «مصالحها الأساسية والدبلوماسية». ومن المؤكد تقريباً أن هذه المادة ستُشهر في وجه ممثلي الجمعيات المدنية الأجنبية لتبرير منعهم من السفر إلى الجزائر والاتصال فيها بنظرائهم في جمعيات جزائرية.
وتعطي المادة 15 البعثات القنصلية وشرطةَ الحدود حق تسجيل بصمات كل أجنبي راغب في دخول البلاد، كما حق تصويره والاحتفاظ ببصماته وصوره واستخدامها. وتعاقب المادة 44 كل أجنبي دخل الجزائر أو أقام فيها أو سافر على ترابها «بشكل غير قانوني» بالحبس لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنتين وبغرامة مالية.
أما المادة 27، فتجبر الأجانب المقيمين بصورة قانونية على إعلام السلطات بأي تغيير نهائي أو مؤقت لمقر إقامتهم في أجل أقصاه 15 يوماً. ويعاقب من لم يصرّح بتغيير محل سكناه في الآجال المذكورة بغرامة مالية. ويفرض القانون على الجزائريين قيوداً كثيرة في مجال التعامل مع الأجانب، فالمادة 28 توجب على كل من شغّل أجنبياً التصريح بذلك في أجل أقصاه 48 ساعة (بدل 30 يوماً في القانون القديم)، والمادة 29 تلزم كل من أوى أجنبياً (في فندق أو غيره) بإبلاغ السلطات بذلك في أجل أقصاه 24 ساعة. ويعاقَب من لم يحترم هذا الإلزام بغرامة مالية تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف دينار.
وينظم القانون إجراءات ترحيل «المهاجرين غير الشرعيين» بشكل يستوحي المثال الفرنسي بحذافيره، فهو أعطى الولاةَ حق إصدار قرارات بـ«بمرافقة كل أجنبي دخل الجزائر أو أقام فيها بصورة غير قانونية إلى الحدود» (المادة 36)، كما منحهم حق توجيه الأجانب المرشحين للطرد من البلاد إلى «مراكز انتظار» واحتجازهم فيها لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد (المادة 37).
وتجرّم المادة 48 كل من أُثبت أن هدفَه من الزواج هو الحصول على بطاقة إقامة أو على الجنسية الجزائرية أو تمكين غيره من الحصول عليهما. ويعاقَب على ذلك بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات وبغرامة مالية باهظة (بين 50 ألفاً و500 ألف دينار).
وإذا ارتكب هذا الجرم من طرف «عصابة منظمة»، تبلغ مدة الحبس 10 سنوات، ويبلغ مقدار الغرامة ما بين 500 ألف ومليوني دينار.
ويكفي النظر إلى بعض إجراءات القانون العقابية الأخرى لنلحظ أنها مستوحاة من أقسى «التشريعات الأوروبية المنظمة للهجرة»، من حيث سعيها إلى تخويف المواطنين من مساعدة «المهاجرين اللاشرعيين» على دخول البلاد أو البقاء فيها.
هذا نص المادة 46: «يعاقَب كل من سهّل أو حاول أن يسهّل دخول أجنبي أو إقامته أو خروجه من التراب الجزائري بصورة غير قانونية، بالحبس لمدة تتراوح بين سنتين و5 سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 60 ألفاً و200 ألف دينار».
وتبلغ عقوبة الجرم نفسه إذا ترافق مع حمل للسلاح أو ارتُكب من طرف أكثر من شخص الحبس من 5 إلى 10 سنوات، وغرامة مالية بين 30 ألفاً و60 ألف دينار. وبطبيعة الحال، بُرّرت هذه المادة بضرورة ردع «شبكات الهجرة السرية» ومنعها من «المتاجرة بمآسي المهاجرين»، إلا أنه من المحتمل جداً أن تطبق على كل من يمد يد العون إلى «مهاجر لا شرعي» بدافع بحت من التضامن الإنساني.
وما يثير الدهشةَ أن هذا القانون لم يثر أية ضجة تذكر، فـ«الصحافة الحرة» لم تتعرض له بالانتقاد، ولا حتى بالتحليل، واكتفت بسرد أهم مواده وفتحت أعمدتها لوزير الداخلية نور الدين زرهوني ليعمل على تبريره أشنع تبرير.
أما منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، فكأنها لم تنتبه أصلاً إلى صدوره. وهي إن أبدت في الشهور الأخيرة بعض الانتباه لظاهرة «الحرّاقة» (أي الجزائريين الذي يقطعون البحر في القوارب نحو شواطئ إيطاليا وإسبانيا)، فإنها لا تزال مغمضة العينين أمام مأساة المهاجرين السريين في بلد لم يعد لا «قبلة الثوار» ولا «وجهة كل المضطهدين».
* صحافي جزائري