تَعِد وزارة الداخلية بفتح ملف الفساد في هيئة إدارة السير، وخاصة في ما يتعلّق بمنح رخص السوق لغير مستحقيها وتسجيل السيارات واللوحات. وحتى الانتهاء من إعداد الملف، لا يزال الحصول على رخصة قيادة أسهل من إدارة محرّك السيارة
حسن عليق
«جهينة» جاهلة تماماً بقانون السير. ورغم تعلّمها «فن القيادة» منذ ما يزيد على 6 سنوات، إلا أنها لم تحصل على رخصة قيادة حتى يوم 23 آب الماضي، أي بعد يومين من طلبِ وزير الداخلية والبلديات زياد بارود اتخاذ تدابير مسلكية بحق 9 موظفين من هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، للاشتباه في تورّطهم بإعطاء رخص سوق لمتوفّين ومكفوفين.
سيارتها الأولى شبه مهشّمة من كثرة الحوادث «البسيطة» التي تعرّضت لها. وهي، بعدما بدأت تقود من دون وجود مدرّب بقربها، كانت تسبب حادث سير مرة واحدة في الشهر، على الأقل. ولحسن الحظ، كانت كل الحوادث «حديد بحديد»، وتُحلّ دوماً بطريقة ودّية، بعد دفع أضرار السيارة الأخرى، لكونها مسؤولة عن معظم الحوادث.
بعد سنوات، أقلعت «جهينة» عن التسبّب بحوادث، فقررت شراء سيارة جديدة. ومن أجل الحصول على بوليصة تأمين شاملة، يُفتَرَض بها أن تكون حائزة رخصة سوق. صديق زوجها يعرف صاحب مكتب لتعليم القيادة. أعطت جهينة الصديقَ نسخة عن بطاقة هويتها وثلاث صور شمسية و300 دولار. بعد أيام قليلة، حُدِّد لها موعد في مركز للامتحان، وطُلِب منها أن تحضر في آخر الدوام. حدث ذلك يوم الجمعة 22 آب 2008 (بعد يوم واحد من قرار الوزير). وصلت إلى مكان الامتحان، فكان صاحب المكتب بانتظارها. دلّها إلى مكان الامتحان النظري، حيث جلست أمام شاشة كومبيوتر، وظهر السؤال الأول. يتعلّق هذا السؤال بتحديد إشارة تكون عادة مزروعة في جانب الطرق. بدأت تتصبّب عرقاً، ولم تعرف الإجابة. مباشرة، تقدّم منها شاب لطيف، وأمسك «الماوس» بيده، وبدأ ينقر الإجابات الصحيحة. تقول إنه يحفظها غيباً. دقائق قليلة وانتهى الامتحان، لكنّها كانت تعيش خلالها صراعاً «مريراً»: تذكّرتُ الغش في امتحانات المدرسة، وأيقنتُ أن هذا الأمر منافٍ للمثل والمبادئ التي أؤمن بها، إلّا أنني قررت الاستمرار بعدما سمعتُ أحد الموظفين يقول لي «مبروك، نجحتِ».
سبَقها صاحب المكتب إلى مكان الامتحان العملي. هناك، وجدَتْ صفاً طويلاً من السيارات والممتحنين. سألها صاحب المكتب عما إذا كانت سيارة زوجها أوتوماتيك أم لا، وعما إذا كانت تجيد قيادتها. أجابت بنعم، فطلب منها الصعود إليها، وقيادتها إلى الأمام. لم تتقدّم أكثر من عشرة أمتار، وكان بقربها رجل يطلب منها ألا تحيد عن الخط الأبيض. تؤكّد جهينة أن هذا الخط لم يكن موجوداً إلا في مخيّلة المتكلّم الذي طلب منها التوقف والترجّل، ثم التوجّه صوب المراقب الذي كان يجلس على كرسي خلف طاولة. طلب منها الأخير التوقيع إلى جانب اسمها المكتوب ضمن لائحة طويلة، ثم التوجه إلى السيارة لاستكمال الامتحان. صعدت مجدداً، وطلب منها «رجل الخط الأبيض» أن تقود إلى الخلف. وبعدما تقدّم منها صاحب المكتب ووجّه مقودَ السيارة بيده، رجعت أمتاراً قليلة. بهذا انتهى الامتحان العملي. بعد ثلاثة أيام، سلّمها صديق زوجها رخصة القيادة، واعتذر منها لأنه تأخر عن تسليمها إياها، رغم صدورها في اليوم التالي للامتحان.
ما يجري خلال امتحانات السوق معروف في وزارة الداخلية، التي أكّد مسؤول رفيع فيها لـ«الأخبار» أن ملف رخص السوق والمعاينة الميكانيكية ولوحات السيارات وتسجيلها «سيُفتَح بقسوة قريباً»، وذلك بعد الانتهاء من إعداده كاملاً، بهدف إصلاح هذا القطاع. وأضاف أن وزير الداخلية زياد بارود طلب من أحد الخبراء الاختصاصيين إجراء دراسة لاعتماد آلية جديدة في امتحانات السوق ومنح الرخص، تمهيداً لاعتمادها بعد إصلاح القطاع. ووعد المسؤول بالتحقيق الفوري في كل ما يرد إلى الوزارة من شكاوى تتعلق بمنح الرخص، «لما لهذا الأمر من أهمية في الحفاظ على حياة المواطنين».