خالد صاغيةالمروّجون للمصالحة المسيحيّة ـــــ المسيحيّة لا يخفون غيرتهم من الطوائف الأخرى. الغيرة ليست من المصالحات بالضبط، بل من الاتحاد لمواجهة الطوائف الأخرى. فكلام المتحمّسين لهذه المصالحة واضح. لسنا هنا بصدد إنهاء حال «سَنْكَفَة» بين الزعماء والنوّاب المسيحيّين، بل أمام محاولة إعداد ما يشبه استراتيجيّة موحّدة للمسيحيّين تضع خريطة طريق للطائفة في مواجهة سائر الطوائف. فكما حزب الله وحركة أمل «متصالحان» ومتّحدان، وكما يقف تيّار «المستقبل»، حتّى إشعار آخر، على رأس الطائفة السنّية المتّحدة إجمالاً، يحلم هواة المصالحات باتّحاد للقوى المسيحيّة.
ربّما كان الأجدى العمل لحصول العكس، أي نقل عدوى الخلافات المسيحيّة ـــــ المسيحيّة إلى سائر الطوائف، فتنقسم هي الأخرى بدلاً من التكتّل الذي يجعل كلّ صراع سياسيّ صراعاً بين الطوائف، أي صراعاً طائفيّاً. فعلى عكس ما توحي به اللغة، ليست الاختلافات داخل الطوائف هي التي ولّدت الاحتقان في الشارع، وأوصلت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية، بل إنّ انعدام هذه الاختلافات، أو محاولة خنق هذه الاختلافات، داخل كلّ طائفة، هو ما فتح أبواب جهنّم على البلاد وطوائفها.
إنّ الاختلافات المنظّمة هي الضامن للسلم الأهلي، أمّا التوحيد القسري فهو ما يشعل فتيل الانفجارات، وخصوصاً حين يكون توحيداً لكلّ طائفة على حدة. نفهم أن يحلم أيّ زعيم بحصد مئة في المئة من الأصوات. إنّه الحلم القديم بإلغاء الخصوم، سواء عبر صناديق الاقتراع أو بالتصفية الجسديّة. ونفهم أن يحلم البطريرك بزعيم زمنيّ يجمع أبناء الطائفة تحت عباءة سيّد بكركي الذي يصرّ على ادّعاء وقوفه على مسافة واحدة من الجميع، تماماً كما وقفت السعودية وتقف دائماً على مسافة واحدة من الجميع، تماماً كما يجدّد البابا بينيديكتوس السادس عشر موقف الكنيسة المعادي لوسائل منع الحمل بحجّة الدفاع عن «الحب الزوجي»، حتّى لو تعرّضت حياة النساء للخطر أو فتك مرض الإيدز بالبشريّة. نفهم كلّ ذلك، لكنّ ما هو غير مفهوم أن يتبنّى «سعاة الخير» الترويج لمنع الحمل السياسي بحجّة الدفاع عن «الحبّ الأخوي».