همام الرفاعي*ليس من باب المصادفة أن يكون وزير الصناعات والمناجم الإيراني، علي أكبر محرابيان، في طليعة مستقبلي الرئيس البوليفي إيفو موراليس إبّان زيارته إلى إيران قبل فترة.
فرغم إجماع المعلقين السياسيين على أهمية الزيارة السياسية وبُعديها الأيديولوجي والرمزي، فالحقيقة أن أجندة التعاون الاقتصادي ما زالت تحظى بالأولوية في ملف العلاقات بين البلدين. وتتطلع حكومة بوليفيا اليسارية إلى زيادة حجم الاستثمارات الإيرانية في القطاعات الصناعية والإنتاجية في بلدها. وقد جرت ترجمة باكورة التعاون بين البلدين بتأسيس شركة لإنتاج الإسمنت بتمويل إيراني ـــ فنزويلي مشترك.
وتمتلك بوليفيا احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي، لكنها تجد صعوبات في الوفاء بالتزاماتها بضخ الغاز إلى البرازيل والأرجنتين، بسبب نقص الاستثمارات في قطاع صناعات الهيدروكربون.
وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد وعد خلال زيارته لبوليفيا العام الماضي، بزيادة حجم المساعدات الإيرانية للبلد الأميركي اللاتيني إلى مليار دولار. وتنظر واشنطن بقلق عميق إلى تنامي وتوثُّق العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعدد من دول أميركا اللاتينية وفي مقدمتها فنزويلا وكوبا وبوليفيا.
وبغضّ النظر عن مدى جدية الزعم بأن تحالف هذه الدول يمثّل تهديداً فعلياً لواشنطن، فإنّ التقارب بين بلدان تفصل بينها فوارق ثقافية ومساحات جغرافية شاسعة يطرح الكثير من التساؤلات عمّا إذا كانت هذه الظاهرة الجديدة نسبياً في العلاقات الدولية، تضع لبنة شكل جديد من أشكال التعاون بين دول الجنوب يحمل في طياته رؤية جذرية ومختلفة للحوار بين الحضارات.
وقبل أن نذهب بعيداً، لا بدّ من الإشارة الى أنّ الكثير من المحللين يعتقدون أن التقارب الإيراني ــ اللاتيني لا يُبنى على أسس اقتصادية واقعية ويفتقر إلى أرضية سياسية وثقافية صلبة. ويعتقد أصحاب هذه النظرة أن محرك التقارب لا يعدو كونه الرغبة في مشاغبة سياسات الولايات المتحدة الأميركية. وحتى لو قاربت هذه القراءة بعض عناصر الحقيقة، فإنّه من المبكر الحكم على حجم ونوعية التحولات التي يمكن أن تحدثها تحالفات سياسية وتكتلات اقتصادية بين دول الجنوب الفقير في ميدان العلاقات بين الحضارات.
هل يجري تجاوز مقولة التناقض المزعوم بين الإسلام والغرب المسيحي عن طريق نشوء محور عابر للحضارات والأديان بين دول الجنوب الساعية إلى تحسين شروط علاقتها بدول الشمال الصناعي المتقدم في عالم معولم؟
هل تستطيع دول الجنوب أن تقدم نموذجاً للانفتاح الثقافي والحوار بين الحضارات أم أن الخطاب التعبوي والنضالي سيطغى على ما سواه؟ لا شكّ أن التأسيس لحوار يفسح المجال لقيم العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم لأن تتلاقى مع مثيلاتها في الكتاب المقدس. ينطوي هذا الطرح على طوباوية مثالية قد لا تضمن بالضرورة نجاح السياسات الاقتصادية، إلا أنّها تختزن نزوعاً إنسانياً عميقاً يرى في التنوع الإنساني ثراءً وقوة معنوية ومادية، ونزوعاً إنسانياً فطرياً ينفر من خطاب الجدران
والعزل.
* كاتب لبناني