تطلق وزارة التنمية الإداريّة ورشتها الأولى الخاصّة بمناقشة اعتماد تقنيّة «الرقم الموحّد» للمواطنين، التاسعة من صباح اليوم في فندق «جفينور روتانا». ولئن كانت الوزارة قد حدّدت هدفها بتسهيل العلاقة مع الدولة لجهة سهولة مراجعة المواطن لملفاته المندرجة تحت رقمه، فإنّ البعض يشكك في طريقة استخدام الدولة لهذه التقنية، بشكل يخاطر بالتعدي على الحيز الشخصي للمواطنين.
راجانا حمية
من الجيّد أن تفكّر الدولة اللبنانيّة في هموم مواطنيها ومعاناتهم على أبواب الوزارات والمؤسسات الرسميّة، فتعمد، ولو متأخّرة، إلى إطلاق خدمة «الرقم الموحّد» لكلّ مواطن، بهدف تسهيل معاملاته الإداريّة الرسميّة، سواء عن طريق مراكز متخصّصة في هذا الشأن أو عن طريق الشبكة الإلكترونيّة الواقعة ضمن نطاق المؤسسة أو الوزارة المعنيّة. فمعاناة المواطن على أبواب الإدارات، وطلبات هذه الأخيرة التي لا تنتهي لجهة الأوراق المطلوبة والمستندات وتواقيع المعنيين في الإدارات المختلفة، أسطورية.
ولكن، من الجيّد أيضاً لفت الانتباه إلى أنّ فكرة «الرقمّ الموحّد» التي طرحتها وزارة التنمية الإداريّة منذ ما يقارب خمس سنوات، تواجه معضلة أساسيّة شبيهة إلى حدٍّ ما بحال البلد المنقسم سياسيّاً.
ففي ملاحظة أولى تسجّلها تانيا زاروبي منسّقة البرنامج في وزارة التنمية الإداريّة ـ التي تنظّم حفل الإطلاق اليوم ـ أنّ «إطلاق الرقم الموحّد، دونه عقبات كثيرة، قد يكون أهمّها رفض عدد من الجهات المدعوّة هذه الخطوة بشكل قاطع»، مشيرةً «إلى أنّ الأمور تتحدّد اليوم بناءً على النقاشات التي يقوم بها الخبراء والمندوبون عن الوزارات والمؤسسات الرسميّة في مجال تحليل منافع ومضارّ هذا الرقم».
ولئن كان بعض هؤلاء المعارضين المفترضين للخدمة يجدون أنّها قد تسهم في تسهيل تجميع المعلومات عن المواطن، ما قد يسهل التجسس عليه بشكل مناف لأبسط الحقوق المدنية، ما أدى إلى منعه في قوانين الكثير من البلدان المتقدمة، فإنّّ وزارة التنمية الإداريّة، الراعي الرسمي للمشروع، تضع هذه الخدمة في إطار تسريع عمليّة إجراء المعاملات الرسميّة التي يحتاج إليها المواطن، من خلال توحيد آلية إتمام المعاملات بين المؤسسات والوزارات المرتبطة بالحكومة اللبنانيّة. ولنفرض أنّ الهدف هو تسهيل العلاقة بين المواطن والوزارات، فإن البعض يتساءل عن الغرض من اختزال «داتا» المواطن برقم في سجلّات الحكومة اللبنانيّة، وخصوصاً أنّ الرقم، إن أقرّ اعتماد التقنية، سيصدر ضمن بطاقة خاصّة، قد تحوي رقماً مركّباً من سنة الميلاد ومكان الإقامة والحالة الاجتماعية ومعلومات أخرى شبيهة إلى حدٍّ ما ببطاقة الهويّة الشخصيّة، أو رقماً تسلسلياً.
أمّا في تفاصيل الرقم المفترض مناقشة منافعه ومساوئه ضمن ورشة اليوم، فهو يُعدّ جزءاً من المشروع الأساسي المندرج تحت عنوان الحكومة الإلكترونيّة، التي عملت وزارة التنمية الإداريّة على صياغة استراتيجيّتها الأولى عام 2002، والتي تتناول، إضافة إلى تسهيل تعامل المواطن مع الوزارات، توحيد المعلومات المتعلّقة بوزارات الحكومة.
وتشير زاروبي، في هذا الإطار، إلى أنّ الهدف الأساس من توحيد قاعدة المعلومات بين الوزارات هو تفعيل استراتيجيّة الحكومة الإلكترونيّة. وكلّ هذا يجري تحت إشراف اللجنة الوزاريّة التي يرأسها رئيس الحكومة، ويتولّى منصب نائب الرئيس فيها وزير الدولة لشؤون التنميّة الإداريّة، إضافة إلى أربعة أعضاء يمثّلون الوزارات الفاعلة، ومنها الداخليّة والبلديّات والمالية والتربية والتعليم العالي والاقتصاد.
وبغضّ النظر عن منافع الحكومة الإلكترونيّة، فإن الحكومة، غير الإلكترونية، تأخّرت في إصدار نشاطاتها، وخصوصاً أنّ الرقم الموحّد، الذي يُعدّ من ضمن إصداراتها الأولى، يأتي اليوم بعد ستّ سنواتٍ على صياغة الاستراتيجيّة الأوّلية، التي عدّلت منذ بداية العام الحالي. هنا، تلفت زاروبي «إلى أنّ هذا التأخير يعود إلى أسباب عدّة، منها: المراحل الحرجة التي مرّ بها لبنان، يُضاف إليها انعدام التنسيق بين وزارات الدولة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالهبات الخارجيّة والتمويل». أمّا السبب الأبرز للتأخير، فهو انعدام التنسيق بين الوزارات في جميع المجالات، وأنّ مجلس الوزراء لم يبادر منذ عام 2002 إلى تبنّي المشروع أو حتّى طرحه على جدول أعماله، على اعتبار أنّ هناك أولويّات أخرى طرأت في بعض الأحيان على هذا الجدول.
إذاً، بقي مشروع الحكومة الإلكترونيّة أسير أدراج مجلس الوزراء، وربّما لن يخرج منها، أقلّه في الوقت الحالي، كما تشير زاروبي. نظراً لأنّ الأوضاع الأمنيّة الحاليّة تفرض نفسها على أمور المكننة والتطوير الإداري. ورغم ذلك، تؤكّد زاروبي «أنّ تأخير مجلس الوزراء لمناقشة مشروع الحكومة الإلكترونيّة لن يؤثّر سلباً على إطلاق النشاطات، ومنها الرقم الموحّد»، مبرّرة ثقتها «بأنّه لا يمكن إيقاف المشاريع المفيدة للمواطنين بحجّة الأوضاع التي يمرّ بها لبنان، وخصوصاً أنّها مستمرّة».
وبالعودة إلى ورشة اليوم، تتركّز النقاشات على تحليل مساوئ الرقم الموحّد ومنافعه. ويشارك في النقاش مندوبو اللجنة الوزاريّة وممثّلو بعض الوزارات ومنها: وزارات التنمية الإدارية والداخليّة والبلديّات والتربية والاقتصاد والصحّة العامة والاتصالات والعدل والماليّة وإدارتا الجمارك والضرائب فيها، إضافة إلى مصلحة الأحوال الشخصيّة والأمن العام وقوى الأمن الداخلي، وممثّلي مكتب رئاسة مجلس الوزراء وعدد من المستشارين والخبراء.