حلا ماضيلاحظت أم طلال بعض الإفرازات والاحمرار في ثدييها. لم تهتم للأمر بداية، واستعانت بدواء من أنواع البنسيلين، ظنّاً منها أنها تعاني بعض الالتهابات. كانت هذه الإفرازات الإشارات الأولى لتغيّرات واضحة في ثدييها، تمثّلت بالتحجّر والألم إلى درجة دفعت أم طلال إلى الامتناع عن النظر إلى جسدها في المرآة. تقول: «لم أكن أريد أن أصدّق بأن سرطان الثدي ضربني». استمرت رحلة علاج أم طلال ست سنوات، خضعت خلالها لعدة أنواع من العلاجات، إلى أن قرر طبيبها استئصال أحد ثدييها. «أصابتني نوبة من الجنون والهستيريا»، تقول السيدة الخمسينية. «اجتمع زوجي وأولادي الأربعة حولي، وأذكر جيداً ما قالته ابنتي عن أن المشاكل الصحية التي نواجهها لا تقل خطورتها ونتائجها عن مشاكل وظروف دراسية ومهنية واجتماعية قد نتعرض لها، فما علينا إلا أن نتسلّح بالقوة والإيمان لتجاوزها». تضيف أنها في كل مرحلة من مراحل المرض كانت «تصل إلى حافة الموت»، ولكن نظرات أولادها كانت تردها إلى المنزل. ألا شك في أن أم طلال، بعد رحلة المرض والعلاج، عرفت تغييراً في شخصيتها. وتقول طبيبة الأمراض النسائية والمعالجة النفسية، سهى بيطار، إن المرأة عندما تخرج من تلك التجربة تصبح أقوى ومختلفة. فقد أيقظ المرض لديها حب الحياة والنضال، فالحياة في حاجة إلى كفاح للمحافظة عليها. تذكّر بيطار بأن سرطان الثدي «مرض فتّاك جارح، يطعن المرأة في صميم أنوثتها وهويتها الجنسية»..
«كثيرات مصابات بهذا المرض، وقد خضعن للعلاج واستُئصلت أثداؤهن، وإن الحياة لا تتأثر بهذا الأمر»، مقولة قد تسمعها المريضة من المحيطين بها، ولكن هذه الكلمات هي «الرصاصات التي تطلق على المرأة الجريحة. فأهمية العيش لا تكمن في استمرار الحياة فقط، بل في نوعية تلك الحياة». وتلفت بيطار إلى «الحزن والغضب المدفونين داخل صدر المرأة المصابة بسرطان الثدي»، لذلك «يجدر بالمحيطين بها احترام خصوصيتها»، ويكون ذلك حين يدَعونها تعيش «الحداد على أنوثتها، وأمومتها، وحياتها، وعليهم الاستماع جيداً إليها. فهي ستمر بحالة النكران لإصابتها بالمرض، نظراً لما يمثّله الثدي للمرأة من خلفية تتعلق بالرضى عن الذات وبالهوية الإغرائية للأنثى».
الثدي عضو مركزي للأنوثة، يعكسُ الصورة التي يتلقّاها الطرف الآخر (أي الرجل) عن المرأة. وعندما يضرب السرطان ثدي المرأة، يطعنها في أنوثتها وفي قدرتها على الإغراء. وعندما «تُجبر» المرأة على التعاطي مع هذا المرض، ستجتاحها هواجس كثيرة غير الشفاء والتعافي منها جسدياً. وتشير الدكتورة بيطار إلى أن كيفية التعاطي مع هذا المرض تختلف بين امرأة وأخرى. ففي حالة العزوبية، ينتاب الفتاة «القلق والرعب». ستتساءل إن كان أحدهم سيتقدم للارتباط بها، وستخاف من نظرته إليها!
ومن الهواجس التي يمكن الحديث عنها، يجدر التوقف عند السؤال الأهم: هل سبق للمريضة أن أنجبت أم لا؟ «فالثدي هو الذي يعطي الحليب، فهو مركز الحياة والعطاء. والرجل الذي ينظر إلى الثدي، سيتذكر حتماً ثدي أمه التي أرضعته الحليب».
في الدول المتقدمة، تجري مقاربة سرطان الثدي بطريقة شاملة. وهنا تفسّر بيطار بأن ذلك يعني الاهتمام بالمرأة المصابة كأنثى، أي إنها تصبح موضع اهتمام من جانب الطبيب، والأسرة، ومرشدة اجتماعية، وجمعيات متخصصة، ومعالج نفسي يكون له دور بعد العلاج الطبي لمساعدة المرأة على تقبّل واقعها وحياتها الجديدة.
وتلفت بيطار إلى أنه مع التطوّر الطبي والتكنولوجيا الحديثة، بات باستطاعة الطبيب معالجة الورم السرطاني في الثدي، في حالات معينة، من خلال عملية جراحية موضعية، دون الاستئصال التام للثدي، مع المحافظة على خصوصية شكله.