يُتوقّع أن يخرج المؤتمر الإقليمي الثاني بشأن التوحّد بخطة عمل عربية موحدة بخصوص التشخيص المبكر. وينهي المؤتمر أعماله اليوم، بعد تبادل التجارب الإقليمية والتعرّف إلى البرامج العلاجية الحديثة في مجال التدخل التربوي
فاتن الحاج
«السعادة هي خيار»، لكن هل هناك سعادة في التوحّد، وإذا كانت موجودة فهل من خيار؟ الجواب نعم، على الأقل بالنسبة إلى غيدا رباط، والدة الطفل المتوحّد كريم، أو «طفلي المميّز»، كما تحب أن تسميه. وُلد كريم (7 سنوات) ونشأ طبيعياً حتى عمر سنة ونصف سنة. في هذه السن، بدأت تظهر عليه ملامح التغيير عبر غياب التجاوب الاجتماعي واختفاء الإشارات وحركات اليدين وخسارة الكلمة وانعدام التواصل البصري. انتاب الأم خوف وضياع فاندفعت لرؤية أطباء للأطفال، أكدوا جميعهم أنّ ما لدى كريم هو التهاب في الأذن أثّر في سمعه. لكن لم تمضِ ستة أشهر حتى تحوّل الطفل من طبيعي إلى متوحد. خضع كريم لأنواع من العلاجات النفسية المختلفة، فكانت الوالدة أداةً بين أيدي الأطباء، إلى أن تعرفت إلى أحد برامج التدخل التربوي. تصف رباط البرنامج بالمنقذ للعائلة، إذ جعلنا نتقبل التوّحد كهوية لكريم. تنصح الأهل بالاعتماد على حدسهم «نعرف أولادنا أفضل من أي خبير».
أما الخبراء، فيعرّفون التوحد بالاضطراب في النمو الذي يعيق الطفل عن التعبير والتواصل الاجتماعي مع محيطه، وتظهر عوارضه في السنوات الأولى. لكنّ أسبابه غير معروفة حتى الآن، وإن كانت الأبحاث تشير إلى أنّ للعوامل الجينية أهمية كبيرة، فيما تلفت دراسات أخرى إلى عوامل تعود إلى خلل في الدماغ. ويرى الخبراء أنّ الاكتشاف المبكر لحالة التوحد مهم في التربية، والتدخل المبكر يؤدي حتماً إلى نتائج أفضل، وخصوصاً أنّ الطفل الذي يعاني التوحّد يحتاج إلى برامج تربوية فردية متخصصة، كلّ حسب حاجاته وقدراته.
هذا الاكتشاف المبكر مثّل المحور الرئيسي للمؤتمر العربي الإقليمي الثاني بشأن التوحد الذي افتتح أعماله أمس في فندق كراون بلازا. قدّم الدكتور محمد عيتاني، الأستاذ المساعد في طب الأطفال السريري في مستشفى الجامعة الأميركية، لمحة عن سير البحث العلمي عن التوحّد. وأشار إلى أنّ التوحد هو أحد أهم الأمراض السلوكية التي تصيب الأطفال من جميع الفئات الاجتماعية والفكرية والإثنية. وتركّز الدراسات العلمية، حسب عيتاني، على أهمية التشخيص المبكر للمرض لما له من تأثير إيجابي على تطور الطفل اجتماعياً ولغوياً. وهذا ما حدا بالأكاديمية الأميركية لطب الأطفال لإصدار قرص مدمج عام 2007 يضمّ معلومات وإرشادات لطبيب الأطفال عن كيفية التعاطي مع الطفل المصاب بالتوحّد، إضافةً إلى آلية التشخيص المبكر.
ورأت نقيبة أصحاب دور الحضانة في لبنان هناء جوجو أنّ الحضانة هي المجتمع الأفضل لاكتشاف إشارات التوحّد لا تشخيص المرض، فوجود الطفل بين مجموعة أطفال من عمره يسمح بملاحظة هذه الإشارات لديه. أما المشرفة على برنامج الدمج التربوي في مدارس جمعية المبرات الخيرية شذا إسماعيل فعرضت سبل الاكتشاف المبكر للطفل المتوحّد في المرحلة الابتدائية عبر ملاحظة دقيقة لسلوكه ومهارات التواصل لديه من جانب المعلمة وفريق العمل التربوي التعليمي المباشر. من هنا تبرز الحاجة الضرورية إلى معرفة المعلمات لهذه العوارض، ما يحسّن فرص نجاح برامج التدخل عندما تبدأ في مرحلة مبكرة.
وفي الجلسة الافتتاحية، شرحت منسقة اللجنة التنسيقية للتوحّد في لبنان أروى حلاوي «أن المؤتمر يسعى إلى إرساء قواعد التشبيك بين الدول العربية وخلق الوعي العلمي لدى المجتمع بمشكلات المتوحدين وتبادل التجارب والخبرات الإقليمية». وأوضح مسؤول برامج التربية الدامجة في مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في بيروت الدكتور حجازي إدريس أنّ معظم الأطفال ذوي الاحتياجات الإضافية يواجهون صعوبات في القبول في التعليم النظامي في الدول العربية، حتى القلّة منهم التي تلتحق ببرامج خاصة سوف تواجه مشكلة الدمج الاجتماعي مع أفراد المجتمع العاديين.