بعد مرور شهر على بثّ معلومات وإفادات شهود عن انتهاكات فاضحة للقانون ولحقوق الإنسان وكرامته في السجون عبر شاشات التلفزيون، وبعد إحالة وزير الداخلية الموضوع إلى التفتيش، استعجلت أمس جمعيات حقوقية إعلان نتائج التحقيق
حسن عليق
يزيد عدد من ماتوا في السجون اللبنانية خلال عامي 2007 و2008 على نصف من قضوا في التفجيرات الإرهابية التي وقعت في البلاد خلال الفترة ذاتها. وكما أن الأجهزة الأمنية لم تُقدّم للقضاء ما يمكّنه من اتخاذ قرارات بحق مشتبه فيهم بالضلوع في الأعمال الإرهابية (باستثناء جريمة عين علق)، فإن أي نتائج للتحقيق في وفاة 32 موقوفاً ومحكوماً لم تنشر بعد. لكن الفارق الأبرز بين الفئتين من الضحايا يتمثّل في أن السلطات القضائية والأمنية والسياسية تولي الفئة الأولى اهتماماً بالغاً، إعلامياً بالحد الأدنى، فيما يموت السجناء، الفقراء بمعظمهم، بصمت في ظلام الزنازين، من دون أن تُوضِح إدارات السجون، أو القضاء، أسبابَ الوفاة؛ وبلا إعلان رسمي عن موت أشخاص في عهدتها.
العدد الأكبر من الموقوفين والمحكومين الذين فارقوا الحياة كانوا في سجن رومية، أكبر سجون لبنان مساحة وعدداً. ورغم ذلك، لم تفتح السلطات المختصة خلال السنتين الماضيتين تحقيقاً شاملاً عن أوضاع السجن، وخاصة لجهة تطبيق مرسوم تنظيم السجون وظروف الاحتجاز والعناية الطبية التي يتلقاها المسجونون.
ويوم 6 آب 2008، طلب وزير الداخلية والبلديات المحامي زياد بارود بعد تسلّمه مهماته الرسمية بأيام، من المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي التحقيق في أخبار ومعلومات تتعلق بقضايا فساد وسوء معاملة داخل السجن، ذكرها عدد من أهالي السجناء ومن السجناء السابقين ومن العاملين في السجون، وذلك في إحدى حلقات برنامج «الفساد» على قناة «الجديد». وعلمت «الأخبار» أن وزير الداخلية تسلّم قبل أسبوعين التحقيق من المفتشية العامة، وأحاله على مستشاره لشؤون حقوق الإنسان والسجون الذي قدّم مساء أول من أمس لوزير الداخلية تقريراً مفصلاً حول الإجراءات التي ينبغي اتخاذها بحسب القانون. وتزامن ذلك مع رسالة وجهتها 7 منظمات غير حكومية إلى وزير الداخلية، أملت فيها أن يشمل التحقيق «عدداً من بواعث القلق المتعلقة بأوضاع السجون في لبنان، على أن يتم الإعلان عن نتائج التحقيق في أقرب فرصة ممكنة». وحدّدت الجمعيات (هيومن رايتس ووتش، رواد frontiers، مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، وقف الكرامة، ألِف، مركز ريستارت وC.L.D.H.) اثنين من هذه البواعث، هما: الوفيات أثناء الاحتجاز والتعذيب. ولفتت إلى أن بعض هذه الوفيات «تثير الشكوك حول احتمال وقوع أفعال جرمية من مسؤولين داخل السجن، بينما يشير بعضها الآخر إلى إهمال حراس السجن أو إلى نقص في الرعاية الطبية المُقدمة للسجناء».
وذكّرت الجمعيات بأن أحد تقارير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي، والإعدام من دون محاكمة، يشير إلى أن «الوفاة من أي نوع أثناء الاحتجاز يجب أن تُعدّ بالأساس إعداماً من دون محاكمة أو إعداماً تعسّفياً، ويجب الشروع في التحقيقات المناسبة على الفور لتأكيد أو نفي الافتراض، ويجب إعلان نتائج التحقيق على الملأ».
وعدّدت الرسالة حالات وفاة وقعت في السجون ومراكز الشرطة، مشيرة إلى أن بعضها يثير التساؤلات عن دور مسؤولي السجون في حماية السجناء من عنف زملائهم.

لماذا لا يُطَبَّق المرسوم؟

وفضلاً عن معاناة السجون من الاكتظاظ فيها وعدم تطبيق قانون خفض العقوبات الصادر عام 2002، تمتنع السلطات الرسمية عن تنفيذ مضمون المادة 49 من مرسوم تنظيم السجون الصادر قبل نحو 60 عاماً. وترتبط هذه المادة ارتباطاً مباشراً بحياة السجناء المرضى والعاجزين، وخاصة أن 5 على الأقل من السجناء المتوفّين كانوا مصابين بمرض السرطان. وتنص المادة المذكورة على «أن المحكوم عليهم الذين يصابون بالعمى أو الفالج أو بمرض عضال والذين بلغوا منتهى سن الشيخوخة أو أصبحوا مقعدين غير قادرين على القيام بعمل ما، أو الذين تشتمل عيالهم على عدد كبير من الأولاد القاصرين من دون أن يكون لهم نسيب يعنى بأمرهم، يجب على قائد درك الكتيبة أن ينظم تقريراً خاصاً في شأنهم بغية استحصال العفو عنهم أو تطبيق نظام الحكم النافذ بحقهم حسب العادة المتبعة في طلبات العفو». ورغم هذا النص الواضح والصريح، فإن هؤلاء المرضى يموتون بعيداً عن أهلهم. وأكّد مصدر أمني مطّلع لـ«الأخبار» أن قائد سرية السجون ينظّم تقارير دورية عن حالات المساجين الذين ينطبق عليهم نصّ المادة المذكورة، إلا أن القضاء لم يستجب بعد لأيّ من طلبات العفو عنهم. ودعت الجمعيات إلى التحقيق في وقائع الوفاة والكشف علناً عن نتائج التحقيقات، فضلاً عن مراجعة الإجراءات الطبية المُطبّقة في مراكز الاحتجاز والسجون.
تجدر الإشارة إلى أن الجدول المنشور أدناه (أرفقته الجمعيات برسالتها) يتضمن أسماء سجناء توفّوا خلال عامي 2007 و2008، وكانت «الأخبار» قد نشرت معلومات عنهم في حينها، يُضاف إليهم خمسة متوفّين آخرين (عدا عن موقوفين قضوا متأثرين بجراحهم التي أصيبوا بها خلال اشتباكات مع القوى الأمنية) لم يتضمّنهم الجدول، وهم: خليل اسماعيل (توفي يوم 13 آب 2008) ــ فؤاد الهاشم (11/8/2007) ــ عصام خضر (تموز 2008 وكان مصاباً بالسرطان) ــ بادروس كيرغليان (مواليد 1933، 28 نيسان 2008) ــ صالح الساعدي (10 تموز 2007 وكان مصاباً بالسرطان).


تخلّف القضاة عن تفتيش السجون

ينصّ قانون أصول المحاكمات الجزائية على وجوب تفقّد الأشخاص الموجودين في أماكن التوقيف والسجون. وتذكر المادة 402 «يتفقّد كلّ من النائب العام الاستئنافي أو المالي وقاضي التحقيق والقاضي المنفرد الجزائي، مرة واحدة في الشهر، الأشخاص الموجودين في أماكن التوقيف والسجون التابعة لدوائرهم». حتى اليوم لم يتحقّق التفتيش القضائي من تطبيق جميع القضاة المذكورين للمادة 402.