إيلي شلهوبيحار المرء هذه الأيام عند سماعه هرطقات جنرالات إسرائيل، الذين تفتقت عبقريتهم أخيراً عن نظرية ردعية تعلن صراحة نية «الجيش المقهور» حرق الأخضر واليابس عند أول مواجهة مع المقاومة. وكأن جيش الاحتلال كان يرشق المقاومين بالورود ويزرع منازل اللبنانيين وشوارعهم بالزنبق طوال الحروب الماضية. الجديد في ما بات يُعرف بـ«استراتيجية الضاحية» قد يكون إلغاء الفصل الذي كان الإسرائيليون يقيمونه منذ 2005 بين «الأشرار» ممثلين بحزب الله، و«الأخيار» المقصود بهم مجموعة «محبي الحياة» والناس العاديين الذين يفترض الاحتلال (أو هكذا يدّعي) أن لا ناقة لهم ولا جمل في ما يحصل.
إذاً، تقوم النظرية الجديدة على فكرة وضع الجميع في سلة واحدة: لا أصدقاء ولا حياديين في المعركة المقبلة. الكل مسؤول عن أي تحريك للجبهة، وعلى المتضرر أن يمنع «الأشرار» من استدراج مواجهة كهذه وإلا دفع الثمن معهم.
معادلة تحمل في ثناياها بذور فشلها؛ فإذا كان الباعث وراء ابتكارها انكشاف ضعف «محبي الحياة» وعجزهم عن المبادرة في لبنان حيث «يسيطر حزب الله على الدولة»، يسقط الرهان على دفعهم إلى كبحه أو التصدي له، سواء بالترغيب أو الوعيد. أما إذا كان المقصود هو المواطنين العاديين والقرى الجنوبية، الذين تدعي الاستراتيجية الجديدة أنهم كانوا يُحيَّدون في المعارك السابقة، فيكفي استعادة مشاهد بنت جبيل ومارون الراس ومجازر قانا ومروحين وعيتا الشعب وغيرها خلال عدوان تموز لتبيان بُطلان الرهان على كبح المقاومة عبر التهديد باستهداف حاضنتها الشعبية.
يبقى التوعد باستخدام القوة النارية العبرية كلها على أمل ردع حزب الله عن تنفيذ وعيده بالانتقام لاغتيال قائده العسكري عماد مغنية. افتراض يعبّر عن سذاجة إسرائيلية تصل حد الحماقة، وكأن أحداً من قادة المقاومة يتوقع مواجهة أقل حسماً ووحشية مع جيش تمرّغت كرامته في وحول الجنوب ويتحيّن الفرصة لاستعادة هيبته المفقودة. كل يراهن في الحرب المقبلة، على ما يبدو، على الجبهة الداخلية عند الآخر. إنها معركة عضّ أصابع، الخاسر فيها من يصرخ أوّلاً. مشكلة إسرائيل أنّه ليس فيها من يقول أو يُقال له «فداك يا سيّد».