ياسين تملالي *وفي ميدان تسيير القطاع العمومي، قررت الحكومة إعادة النظر في برامج الخصخصة، بعدما تبينت استحالة بيع عشرات الشركات العمومية المطروحة في السوق. وتكفل سكرتير الاتحاد العام للعمال بالإفصاح عن نيات السلطات في هذا المجال، فزف إلى العمال بُشرى تجميد خصخصة 220 شركة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ اقترح مجلس الوزراء في قانون المالية لـ2009 مادة تتحمل بموجبها خزينة الدولة تكاليف التطهير المالي للمؤسسات العمومية المفلسة، وتساهم في تمويل ميزانياتها الاستغلالية لإعدادها لخوض غمار السوق في أحسن الظروف.
ويمكن تفسير تعديل سياسة بوتفليقة الاقتصادية بثلاثة عوامل أساسية، أولها فشل الحكومات المتعاقبة منذ بداية التسعينيات في تحويل الاستثمارات الخارجية إلى «مصدر ثراء للبلاد». فأغلب المستثمرين الأجانب يحولون مجمل أرباحهم كاملة غير منقوصة إلى بلدانهم الأصلية. وقد قدّر الاقتصادي عبد الحق العميري الأرباح المحولة إلى الخارج في سنة 2007 بـ7 مليارات دولار، وقدّرها بما لا يقلّ عن 50 مليار دولار في السنوات الـ15 الماضية. وما زاد في إثارة حفيظة السلطات تصرّف بعض المستثمرين الأجانب في أصول شركاتهم، وكأن لا وجود لشيء اسمه الدولة. ولا أدل على ذلك من الطريقة التي باعت بها «أوراسكوم سيمنت» مصنعها الجزائري. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد منهم موّلوا مشاريعهم لا بمواردهم الذاتية، بل بقروض حصلوا عليها من البنوك الحكومية الجزائرية.
ويتمثل العامل الثاني في خوف النظام من أن يؤدي تخزين احتياطات الصرف الهائلة (200 مليار دولار حالياً) في البنوك الخارجية بعوائد هزيلة (2 بالمئة) وعدم استعمالها في إنشاء مشاريع تنموية، إلى حدوث انفجار اجتماعي بدأت بوادره تلوح في الأفق بازدياد الاحتجاجات النقابية وتوالي الاضطرابات العشوائية في كل مناطق البلاد دون استثناء. وقد تزايدت الشكاوى في الشهور الأخيرة من تملّص الدولة من مسؤولياتها الاقتصادية في وقت تعرف فيه خزينتها رغداً غير مسبوق. ولم تضجّ بالشكوى أحزاب اليسار والنقابات وحدها، بل أيضا أرباب العمل الخواص، ممن يطالبون منذ سنين برفع عام للأجور ليقينهم بأن لا مستقبل لأعمالهم دون دعم حكومي للاستهلاك الداخلي.
أما العامل الثالث، فيتمثل في الوضع الاقتصادي الدولي وما يطبعه من تطوّع للدول الرأسمالية بالمال العام لإنقاذ شركاتها المتعددة الجنسيات. وقد حرّرت طريقة معالجة هذه الدول لأزماتها المالية، الكثير من المسؤولين الجزائريين من عقدة الخوف من الظهور بمظهر «رعاة الاقتصاد الإداري المسير» المتخلفين، فرأينا رئيس الحكومة أحمد أويحيى يبرّر استئثار الدولة بمعظم الأسهم في المشاريع الاستثمارية الأجنبية، مستشهداً بتحديد ألمانيا سقف 25 بالمئة لمساهمة الأطراف الأجنبية في استثماراتها الاستراتيجية!
أما أكثر المسؤولين الجزائريين ليبرالية، كوزير الاستثمار عبد الحميد تمار، فقد أضعفت الأزمة المالية العالمية موقفهم بشكل واضح. فليس من السهل عليهم التغني بمحاسن الليبرالية وهم يشهدون حكومة جورج بوش، حامي حمى الرأسمال الدولي، تشتري أسهم شركة ضمان كبيرة... مفلسة.
* كاتب وصحافي جزائري