خضر حسّانوكأن القدر حكم علينا أن نعيش في دوّامة صراعات وانقسامات وأحزان لا تنتهي، حيث لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن نشهد حادثاً أمنياً أو سياسياً أو حتى خطاباً يمسّ بكيان هذا الوطن وكرامته. بعد انقسام الشارع اللبناني انطلاقاً من الطائفية التي يدّعي كثيرون أنهم مع إلغائها في سبيل بناء وطن حقيقي يرتكز على الديموقراطية والكفاءة والعدالة الاجتماعية، (وللمفارقة أنّ هؤلاء أنفسهم يضحّون بالوطن على مذبح الطائفية) جاءت الصيغة القديمة ـــ الجديدة لتؤجّل الانقسام وتعيد خلط الأوراق... والوطن لا يزال بعيداً. يستمر الصراع الداخلي متنقّلاً، حيث عاد مجدّداً إلى طرابلس بعد بيروت في الوقت الذي لم ينسَ فيه اللبنانيون عموماً وأبناء الشمال خصوصاً آلام أحداث نهر البارد الذي أثبت فيه الجيش اللبناني قوّته وعزمه.
تتكرّر الأحداث نفسها وإن بصيغ ووجوه مختلفة، والمشترك بينها أنها بمباركة أطراف لبنانية وهدفها ضرب الاستقرار من أجل تقوية النفوذ الشخصي القائم على الولاءات العشائرية والطوائفية والمناطقية ودائماً على حساب لبنان وفي ظل نسيان أو تجاهل آلام ودموع وحسرة أهالي الضحايا الذين يسقطون «ككمشة ثياب مجعلكة» وكالأوراق المبعثرة التي يرميها الكاتب بعد الانتهاء من كتابة «سيناريو» قديم ليباشر بعدها كتابة أحداث جديدة لقصة تقسيمات جديدة وبالطبع هناك ضحايا جدد. ضحايا اليوم هم حماة الماضي والحاضر والغد الآتي. هم أبناء مؤسسة تكاد تكون الأمل الأخير والملاذ الآمن الذي يحمينا من غدر العابثين بمصير الوطن والأبناء.ضحايا اليوم هم من ضمن الضحايا الدائمين الذين يدفعون ثمن الغلاء المعيشي والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردّية، ويدفعون ثمن المحسوبيات وتراشق الاتهامات ولكن من دون أن يكونوا شهداء، ومن دون أن تبكي الأمهات دموع الوداع الأخير.
أصبحوا الآن شهداء، وذلك بفضل من يظن أنّه سيقضي على الرجال، ولكن الرجال إذا ما أصبحوا شهداء لا يموتون.
بانتظار العدالة، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، من اغتيال الرئيس رفيق الحريري مروراً بسمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي ونهر البارد، وصولاً إلى الجريمة الأخيرة التي استهدفت أبطالاً من الجيش، لا يسعنا إلّا أن نقدّم تحية الإجلال إلى الشهداء، والعزاء إلى الجيش وإلى الوطنيين وأهالي الشهداء، وخصوصاً الأمهات، فأقول لهنّ: «أمهات الأرض لا تبكينَ فلا يُبكى الشهيد».