زينة خليل قديماً، كانوا يقولون: «الضّيعة من دون جرس، كالأعمى من دون عصا». فالجرس يدلّ القادم من بعيد على كنيسة القرية، كما أنه أداة تبلغ سكان القرية بالمناسبات الاجتماعية الأهلية من وفاة وأفراح وتناديهم للمشاركة فيها. بيت شباب، التي تتربّع على كتف وادي نهر الصليب في قلب المتن الشمالي، هي البلدة الوحيدة التي تصبّ جميع أجراس كنائس لبنان والبلدان المجاورة وآسيا. صناعة يختلف الأهالي بشأن تاريخ نشأتها. فبحسب رواياتهم، تعود هذه الصناعة تارة إلى مطلع العهد الصليبي، عام 1120، وطوراً إلى عام 1700، إذ يُروى أن عالماً روسيّاً جاء إلى لبنان بناءً على دعوة رهبنة «مار الياس» القريبة من بكفيا، حيث قام بصناعة جرس كنيسة «مار عبدا» بمساعدة يوسف غابريل من بيت شباب. بذلك انتقلت الحرفة إلى القرية لتقترن اليوم باسم عائلة نفّاع التي تعتبرها «كنزاً ثميناً» تحافظ على أسراره.
وبلهجة من اعتاد تلقي الأسئلة عن مهنته، يشرح جان نفّاع بحسرة بأنه حالياً «الرجل اليتيم» في هذه المهنة، إذ لا يعاونه فيها سوى نجله. ويروي قائلاً: «منذ عام 1800 وحتى بداية الحرب العالمية الأولى، كانت بيت شباب تضمّ 20 مصنعاً لصبّ الأجراس. أما اليوم، فلم يبقَ سوى مشغلِي بسبب منافسة الأسواق الأوروبيّة من جهة، وهجرة أبناء البلدة من جهة ثانية». وعن تاريخ صناعة الأجراس يقول: «قديماً، كانت الأجراس تصنّع من الأخشاب، وكان يجري استخدام العصا للضرب عليها. إلى أن بدأ، عام 1112، استخدام النحاس والحديد في صبّ الأجراس الكبيرة الأحجام. ولم تشهد تقنيّات هذه الصناعة أي تغيّرات أساسيّة خلال مختلف المراحل الزمنية، باستثناء بعض الابتكارات التي يلجأ إليها صانع الجرس من حين إلى آخر بناءً على سعة مخيّلته».
أما عن بعض أسرار المهنة، فيوضح نفّاع «أن صوت الجرس يرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ«خلطة» النحاس والقصدير، العنصرين الأساسيّين في البرونز، الذي يجري تذويبه في القالب المصنوع لهذا الغرض ليأخذ من بعدها شكل الجرس، بعد أن تبرد الخلطة، مع مراعاة عدم مسّها تجنّباً لإحداث تفسّخات».
إن فنّ تصنيع الأجراس حافظ على تراثه وتقنيّاته الموروثة. إلا أن بعض التغيّرات قد طرأت على طريقة تزيينه واستخداماته. فقديماً، كان يعتمد كثيراً على الزخرفة لتزيين الجرس. وبحسب نفاع، كانت الرسوم تُحفر على قطعة معدنيّة ثم تطبع على الجرس، لكن اليوم، الطلب ينحصر على الأجراس البسيطة. أما بالنسبة إلى الاستخدامات، فقديماً كانت تنظّم المباريات بين شباب القرية «لتربيع» الجرس (أي شد الحبل مرة واحدة يدقّ من بعدها الجرس أربع دقات)، واليوم، أصبح هذا «التحدي» إلكترونياً، لأن الجرس أصبح موصولاً بكبسة زرّ!
ويؤدّي جرس الكنيسة دوره من دون ملل: «دقّة» طويلة ومتواصلة إيذاناً بالفرح، و«دقّة» متقطّعة وبطيئة تعلم «بغدرات» الزمان...