خالد صاغية بين السياسيّين من أساء فهم معنى المصالحات. فهو، كأمير حرب سابق أو مافيويّ حاليّ أو مرتزق متدرّب، فَهِم أنّه بمجرّد أن يتباوس وزميلاً له، فإنّ دورنا، إعلاميين ومواطنين، هو التصفيق الحارّ، وأحياناً الصفير أيضاً. فمنذ أن حلّت فترة الهدوء النسبي، كثرت تصريحات المتبرّمين من النقد، وتضخّمت «الأنا» لدى بعض المسؤولين الجُدد حتّى بات أيّ تعليق على أدائهم في الحكومة أو في مجلس النوّاب، يُعدّ تهجّماً على الدور الذي يحتلّونه والموقع الذي يمثّلونه والطائفة التي ينتمون إليها. وترافق هذا التبرّم مع استعادة الشهيّة على اقتسام غنائم السلطة. فقد مرّ زمن طويل لم يتمكّن المجلس النيابي فيه من الانعقاد، ولم تكن الحكومة مكتملة الحضور. أمّا اليوم، فقد بات بوسع حليمة أن تعود إلى عاداتها القديمة. ورغم المال السياسي الذي يُوزَّع بالأطنان، ورغم المكرمات التي باتت تشمل الأفراد لا المؤسسات وحسب، فإنّ قنوات النهب عبر الدولة لا تزال جذّابة لأولياء أمرنا.
لا تزال الصناديق العامة والفالتة من عقالها، ابتداءً من الهيئة العليا لإغاثة رئيس الحكومة وصولاً إلى صندوق المهجِّرين وصندوق الجنوب، أدوات للإثراء غير المشروع ولإحكام القبضة على أبناء الطوائف. ولا تزال المحاصصات في الوظائف العامة أسلوباً ناجحاً في استقطاب المناصرين. ولا تزال القوانين التي تُسَنّ والمشاريع التي تُمرَّر، تفتح أبواب رزق كثيرة لمن منّ الله عليهم برزق فائض عن حاجتهم. أمّا الوزارات، فكلّها خير وبركة. مغاور مفتوحة على شتّى أنواع الاستغلال الانتخابي الرخيص.
ما زالت الدولة، رغم كلّ شيء، قناة أساسيّة لتوزيع الثروة. والسياسيون، مهما بلغت درجة ثرائهم، ما زالوا بحاجة لهذه القناة، إمّا لإعادة إنتاج زعامتهم، وإمّا لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي بما يخدم عمليّاتهم الطبقيّة. أمّا المصالحات، أي إبعاد شبح الحرب الأهلية مؤقتاً على الأقل، فلم تُعقد حفاظاً على مصالح المواطنين وأمنهم، بل لأنّ مصالح معظم الزعامات في البلاد باتت مهدّدة من تصاعد التوتير الداخلي في ظلّ ظروف دولية لم تعد مشجّعة له.
بين السياسيّين من أساء فهم معنى المصالحات. كان يريد أن يحارب بنا. صار يريد أن يحاربنا.