لم يجمعهما نضال في الشوارع، ولا طمحتا إلى الانخراط بحزب بيئي. لكن باسكال شويري ولارا حنا ابتكرتا طريقة للحفاظ على لبنان الأخضر: تصميم المجوهرات وبيعها. أما الأرباح، فهي لإعادة تشجير ما أكلته الحرائق، إضافة إلى كتاب يهدف إلى جمع نصف مليون دولار
بسام القنطار
لم تستطع باسكال شويري ولارا حنا أن تتحملا الحقيقة التي تقول إن الغابات لم تعد تغطي سوى 13% من الأراضي اللبنانية. السيدتان اللتان تصادقتا منذ الصغر، جمعتهما الطبيعة وأثرت في حياتهما.
لارا حنا دبس أم لثلاثة أولاد، سمعت عن حملة «الحرقة بالقلب» التي أطلقتها «جمعية الثروة الحرجية والتنمية». لم تختبر لارا العمل العام من قبل، لكنها شعرت بالرغبة الملحة من أجل أن تقوم بعمل ما يساعد في وقف الكارثة المتمثلة بفقدان لبنان لما يزيد على 2000 هكتار من غطائه الأخضر سنوياً. «لن أورث أولادي بلداً محترقاً» تقول حنا.
باسكال شويري سعد، صديقة لارا، تشاركها الرؤية نفسها تجاه ضرورة العمل من أجل وقف حرائق الغابات في لبنان وإعادة تشجير المناطق المتصحّرة والمحروقة.
عاشت باسكال طفولتها في منطقة عين سعادة في المتن، حيث أشجار الصنوبر تطغى على المكان. وعندما تزوجت وانتقلت إلى منطقة الرابية، اختارت الموقع الذي يذكرها بطفولتها في عين سعادة، حيث «الشرفة المطلة على الأزرق، والمحاطة بالأخضر الذي لا يريد أن يتحول إلى أسود بفعل الحرائق المتنقلة».
يوم 10 كانون الأول 2007 كانت باسكال تفكر في الهدية التي ستقدمها لصديقة عمرها لارا في عيد ميلادها، اختارت أن تهديها عقداً من الذهب. وفكرت في أن يكون تصميم العقد على شكل أرزة لبنان، الشجرة الأحبّ إلى قلبها.
أُعجبت لارا بهدية باسكال، فعملت معها على تطوير التصميم وإنتاجه وتسويقه عبر عقود وأساور وأقراط متنوعة الألوان، ولكنها تحتفظ بشكل الأرزة. ومنذ انطلاق المشروع إلى اليوم، جمعت لارا وباسكال عبر منظمة «غرين سيدر ليبانون» ما يزيد على 70 ألف دولار من هذا المشروع ذهبت جميعها إلى جمعية الثروة الحرجية والتنمية، حيث أسهم هذا المبلغ في إعادة تشجير 13 هكتاراً من المساحات المحترقة، أي ما يزيد على تشجير 6500 غرسة من مختلف أنواع الأشجار البرية والمثمرة.
وتسعى منظمة «غرين سيدر ليبانون» التي أسستها لارا وباسكال إلى الترويج لهذه التصميمات عبر شعار «اشتر عقداً على شكل أرز لبنان لتسهم في بقاء لبنان الأخضر». ولقد استطاعت هذه الحملة أن تلقى رواجاً واسعاً، وخصوصاً لدى المغتربين اللبنانيين، بعدما حظيت بدعم شركة طيران الشرق الأوسط التي تبيع هذه المنتجات على طائراتها وفي السوق الحرة لمطار رفيق الحريري الدولي.
وتشير الشويري إلى أن «فكرة المشروع البسيطة والمباشرة أقنعت الجمهور بأهمية المساهمة وشراء هذه المجوهرات. وحتى الآن يلقى المشروع رواجاً في الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وبريطانيا وقطر، إضافة إلى لبنان».
وترى الشويري أن حرب تموز 2006 والحرائق التي أصابت لبنان في عام 2007 قد مثّلت إنذاراً قوياً لجميع اللبنانين، وخصوصاً أن عدد الحرائق في لبنان يبلغ أكثر من 7 آلاف حريق سنوياً، تبلغ ذروتها في شهري تموز وآب، أي عندما يكون السياح والمغتربون في لبنان.
نجاح فكرة بيع المجوهرات التي يعود ريعها لأعمال التشجير، حفّزت شويري وحنا للمضي قدماً في مشروعهما الذي يهدف إلى الحفاظ على البيئة. كانت لارا تستعيد شريط الصور التي جمعتها مع باسكال، فوقعت بين يديها صورة تجمعهما في غابة الأرز في بشري. فكرت لارا ملياً في الصورة وأثرها في استعادة الذكريات وفي إيقاظ الإحساس بالأمكنة والأوقات الجميلة. من هنا كان انطلاق المشروع الثاني لمنظمة «غرين سيدر ليبانون» المتمثّل في إطلاق كتاب «لبنان الأخضر: الكتاب» Green Lebanon: the Book. وتشير باسكال إلى أن الكتاب يسعى إلى «إبراز طبيعة لبنان الخلابة، بواسطة صور لا يمكن إلا أن تثير مشاعر كل لبناني وأن تنمي إدراكه للكنز الطبيعي الذي يتمتع به لبنان اليوم، لكن يمكن أن يفقده غداً».
يقع الكتاب في 300 صفحة، وهو مطبوع على ورق فاخر ومصمم فنياً، يستقطب هواة اقتناء الكتب المصورة. اختارت باسكال ولارا الصور بعناية شديدة، وذلك من أجل أن تكون نماذج معبّرة عن لبنان الأخضر، ويمكن عبر الكتاب التعرف بأسماء الأشجار والبلدات الغنية بالأحراج. كذلك يتضمن الكتاب إرشادات إلى طريقة الحفاظ على البيئة، إضافة إلى جمل وأقوال ملهمة لكتاب وشعراء وفلاسفة.
يوم الاثنين الماضي، كانت لارا وباسكال على موعد مع إطلاق الكتاب الذي طبع منه 5000 نسخة، تباع الواحدة بقيمة 100 دولار أميركي. وتقول باسكال: «إن هدف الكتاب أن يجمع نصف مليون دولار سوف تودع عبر جمعية الثروة الحرجية والتنمية في الصندوق المخصص الذي أنشأه وزير الداخلية والبلديات زياد بارود من أجل شراء طوافات وسيارات إطفاء يُتوقع أن تبلغ تكلفتها الإجمالية 25 مليون دولار». وتشير لارا إلى «أن الكتاب لم يكن ليبصر النور من دون الدعم الذي قدمه كل من بلوم بنك، وبنك عودة ـــــ مجموعة عودة سرادار، وبنك البحر المتوسط والبنك اللبناني الكندي، التي اجتمعت معاً على رعاية مشروع واحد في خطوة يندر حصولها في لبنان، حيث تفضل الشركات والمصارف أن تنفرد في رعاية الحدث بهدف حصرية التغطية الإعلامية لأنشطتها التجارية».
لا تنكر لارا أن والدها، سمير حنا، المدير العام التنفيذي لبنك عودة، قد ساعدها «في توفير الرعاية للكتاب عبر هذا الائتلاف الذي شمل أربعة مصارف». لكنها تنفي بشدة أن يكون الأمر مجرد «تنفيعة»، فالكتاب يستحق كل الدعم، و«المصارف حازت مبتغاها من خلال الترويج الإعلامي للكتاب، كذلك فإن بنك عودة سبق أن تبرع بمبلغ 120 ألف دولار للصندوق المخصص لشراء معدات الإطفاء، لكنه آثر أن يدعم الكتاب أيضاً بشكل مباشر».
وتؤكد الشويري أن الكتاب حقق 40 ألف دولار مبيعات خلال حفل الإطلاق، ما يشير إلى حماسة كبيرة لدى الناس من أجل الإسهام في شراء معدات الإطفاء في أسرع وقت ممكن.
«تيارا»، ابنة باسكال، هي مصدر إلهامها، سمّتها باسم الزهرة الوطنية لهاواي. تقول باسكال: «إني متحمسة للعمل اليوم، لأني أريد أن أنظر إلى عيون ابنتي وأولادها لأقول لهم إن الطبيعة التي نتركها لهم هي أكبر ثروة، وإن الأرزة ليست مجرد شعار على علم لبنان، بل هي رمز لإرادة الحياة».


أرقام عن حرائق الغابات

قضت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 على 750 هكتاراً من الأحراج و350 هكتاراً من أشجار الزيتون. وقضت حرائق عام 2007 على 3700 هكتار، ما يعني أن 0.25% من غابات لبنان اختفى في عام واحد. بالمقابل، لم يجرِ تحريج إلا 130 هكتاراً عام 2007/ 2008 في كل المناطق التي تعرضت للحرائق بسبب الكلفة العالية للغرس.