كيفما اتجهنا على الطرقات اللبنانية نجد مراهقين على دراجات نارية يزاحمون السيارات، يسيرون بخطوط متعرجة، وبسرعة جنونية. أما على الكورنيش، أو في مساحات التنزه، فإنهم يواجهون الخطر بألعاب متنوعة
نيفين حمادة
إنهم يثيرون فضولنا، ويذكّروننا بسؤال قديم: من هم المراهقون الذي يركبون الموت؟
علي ضاهر (16عاماً) يساعد أخويه صاحبَي محل تصليح للدراجات النارية، يقول إنه يحب عمله، وإنه في صغره كان ينظر بإعجاب إلى شقيقيه اللذين كانا يقودان الدرجات النارية بطريقة «فنية»، «وفي سن الـ14» شجعه رفيقه حسين على ركوب الدراجة النارية، وبالفعل جربها «وكانت قيادتها سهلة، لأنها تشبه الدراجة الهوائية، ولكنها أجمل وأسرع». علي لا يزال يتابع تحصيله العلمي، وهو يستغل أوقات الفراغ لـ«يقبّ» الدراجة، أي يقودها على دولاب واحد، وخاصة في الشوارع الواسعة، أو عند مرور فتاة جميلة.
علي يهوى أيضاً «الشك في البحر من الارتفاعات العالية»، ويقول إن ذلك يشعره بلذة كبيرة، «عندما تقب الدراجة أشعر بلذة الوقوف على حافة الخطر، ثم الابتعاد عنه، وهناك لذة التسلية».
يؤكد علي أن اختراع البهلوانيات والحركات الخطرة التي يقوم بها على دراجته «ليست سهلة، فهي تستوجب توازناً وتهدئة أعصاب وتحكماً بالعضلات وقوة تحكّم بالجسد». وينهي علي حديثه وهو يروي بفخر أنه تعلم أخيراً قيادة الدراجة على الدولاب الأمامي وحده، لا الخلفي كما درجت العادة.
خليل دوري (17عاماً) هو أيضاً يحب قيادة الدراجات النارية على دولاب واحد، يسير بها في الطرقات المزدحمة بالسيارات، يتسابق مع رفاقه، ويفضل ألّا يكون وحيداً على دراجته الصغيرة التي باتت «تتسع لأكثر من ثلاثة ركاب»(!) «المغامرون يحبون كثرة الركاب، فذلك يحقق التوازن وُيحسِّن الحركات البهلوانية».
كل القصص التي يعرفها خليل عن حوادث دراجات أدت إلى وفاة شباب، لا تثنيه عن ممارسة هوايته، «فالكل يأخذ نصيبه»، وهو يعترف بأن أبناء محيطه شجعوه على مواجهة المخاطر على دراجة نارية.



عندما «يشتد الملل» يلتقي علي وخليل ليلاً في مساحة خالية من البيوت ويروح كل واحد يستعرض «قدراته» على الدراجة أمام جمهور من المتفرجين الذين يصفقون ويهللون لهما .
الاختصاصي في التحليل النفسي، الدكتور نزيه الحسيني يقول إن التصرف المتهور والمندفع لبعض المراهقين هو انعكاس للعنف الذي يسيطر على مجتمعنا، فالبيئة المحيطة هي التي تكوّن شخصية الشاب. ويصف الحسيني شباب اليوم بـ«جيل العنف» الذي يتعرض منذ نعومة أظفاره لكل أنواع العنف المرئي والمسموع «من خلال وسائل الإعلام والإنترنت والألعاب الإلكترونية والشارع»، فينمو المراهقون متأثرين بكل ما يرونه، «فضلاً عن الوضع السياسي والأمني القاسي في لبنان».
عند كورنيش عين المريسة قد تلتقي بمي، المراهقة الجميلة البالغة من العمر 15 عاماً. إنها دائماً على «Roller skate» أو على اللوح الخشبي ذي الدواليب الأربعة. تضع مي الحواجز الخشبية أو المعدنية العالية وتحاول أن تتخطاها، وفي بعض الأحيان تتخيل حاجزاً لتقفز فوقه.
تقول مي إن هذه اللعبة تشعرها «بالحرية والانطلاق والقوة والقدرة على تخطي الحواجز»، لتجد بعدها اللذة في مواجهة الصعاب. عندما يصفع الهواء وجهها تحس مي بفرح كبير لا تعرف كيف تفسره، وتستمتع بتجمهر الناس حولها ليصفقوا لها وهي «تعبر» الحواجز.
تغضب مي ممن يصفون هوايتها بالصبيانية، وتعترف بأنها تبالغ في حركاتها عندما تكون في حالة نفسية سيئة.
الحسيني يذكّر بأن العنف طاقة داخلية عند المراهق تُفرَغ من خلال السلوك المتهور في كل شيء، و«الغَيرة» من مميزات عمر المراهقة، إذ يقلّد المراهق أترابه ليكون مثلهم فيدخل في «المجموعة» ويكون جزءاً، «فهو يحس بالاغتراب النفسي في محيط آخر لا يقدّر رغبته». ويرى الحسيني أن المراهق يبحث دائماً عن اللذة وكيفية إثبات رجولته أو نضجه «يتجسد ذلك في التعامل مع اللعبة والقيادة المتهورة والتشفيط، وإصدار الأصوات، وخصوصاً في الليل» والهدف من ذلك إثبات وجوده ولفت النظر إليه. ويضيف الحسيني: «هذا العنف الداخلي يتجسد من خلال الألعاب العنيفة والقيادة السريعة وعدم الاهتمام بسلامة الآخرين. عندما يتوحد المراهق مع لعبته، تصبح جزءاً منه، ويتعامل معها بقسوة كنوع من «فشة خلق» والتمرد على كل شيء».
ويرى الحسيني أن من يعرض نفسه للخطر الدائم، ويجد لذة في هذا السلوك هو شخص «يعاني عدم استقرار داخلي، وربما عقدة نقص، فيحاول أن يعوضها بتصرف يلفت الأنظار إليه». ومن العوامل التي قد تنمّي هذا الميل، يذكر الحسيني، «العنف المنزلي، والاستهتار بالمراهق، والوضع الاقتصادي المتردي»، ويلفت إلى أن المستوى الثقافي والاقتصادي للعائلة والمحيط والشارع يتحكم بمستوى العنف عند المراهقين والأولاد.
وينبّه الحسيني إلى أن المراهق «لا يقيم للموت وزناً، لأنه يراه بعيداً، فيتجاوز كل الموانع ليعرّض نفسه للخطر»، وهذا السلوك يتحول عند البعض إلى شغف وهوس يتجاوز كل الأعراف، ويستمر رغم التقدم في السن.
يقول الحسيني إن «مجتمعنا يسهو عن موضوع العنف لدى المراهق»، فنحن ننظر دائماً إلى الظاهرة، ولا نعالج الأسباب، بل نقمعها بقوانين وعقوبات متسرعة. ويرفض اعتبار ما يفعله الشباب من ألعاب خطرة «هواية ورياضة، بل تصرفات تعبّر عن ذات قلقة غير مستقرة مشبعة بالعنف».


طالب الحسيني المعنيين بضبط الممارسات العنيفة للمراهقين، من خلال وضع قوانين لتنظيمها ومراقبتها، وتخصيص أماكن لهذه النشاطات، وطالب الأهل باكتشاف مكامن العنف لدى أولادهم وأسبابه، وتحويل الطاقة السلبية لدى المراهق نحو الرياضة الوسيلة الأفضل للتنفيس عن الغضب والعنف