هذا المساء، في مكان ما من منطقة الجميزة، يتباحث ناشطون في «حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري» ومنظمة «كفى»، في أفضل الطرق لإجبار الدولة على بحث مشروع قانون لحماية المرأة، كانت «كفى» قد صاغته عام 2007. ففي ظل التوتر القائم، يتزايد العنف، حسب دراسة أجرتها المنظمة، التي أظهرت في ما أظهرته «أن العنف ضد الزوجات يميل للارتفاع، مع تفوق المستوى التعليمي للزوجة».
علي السقا
كثيرة هي «القصص» التي تتحدث عن نساء عانين ما عانينه من ظلم وعنف في أسرهن قبل الزواج أو بعده، إلا أنهنّ بقين مجهولات في مجتمع يتّسم رغم «انفتاحه» بفيض من «التابوهات». قصصهن لم تجد طريقها إلى خارج الجدران الأربعة أو أبعد من جلسة نسائية حول فنجان قهوة. إلا قلة لجأت إلى جمعيات تعاني هي الأخرى غياب الدعم نتيجة إهمال الدولة وعسف الإجراءات القانونية.
«خيانة وضرب وإهانة وكذب»، تجيب «هدى»، وهو اسم مستعار، عن سوألنا عن سبب طلاقها. تروي أنها فقدت الشعور بالطمأنينة وهي في بيت أبيها، الذي «عندي مشكلة معه جعلتني أتزوج وأهرب من المنزل». أما المشكلة فهي بكل «كلاسيكية» أن «بيّي حاول يغتصبني مرتين ولم يكن عمري يزيد عن 12 سنة». وتضيف «كان يجي سكران. كان يشرب كتير». الأمر الذي دفعها إلى الوقوع في حب ابن الجيران «قبل أن يعرض علي الخطوبة لاحقاً». اشترطت الفتاة على «دونجوان» المنطقة «أن يقطع كل علاقاته النسائية». لكنه بعد الزواج بالطبع، لم يجد إلا «أعز صديقاتي ليخونني معها. فطلبت الطلاق». لكن الشاب «لم يقبل. وخيرني بين الخروج بدون ولدي أو العودة إلى بيتي فابتلعت الإهانة وبقيت بجانب ابني». لكن كان للزوج خطة أخرى «حاول أن يقنع من حولي بأنني أصبحت مجنونة. فأخذ يجبرني على تعاطي المهدّئات. حتى وصلت إلى مرحلة كنت أطلب منه إعطائي الحبوب المهدئة لأقضي معظم وقتي شبه نائمة. وبموازاة ذلك تدهورت أوضاعنا حتى لم يعد يناديني باسمي بل بألفاظ بذيئة». تضيف «هدى» متنهدة: «كان يقول لي حدقي إلى المرآة، انظري إلى بشاعتك. راودتني أفكار لمرات عدة بأن أقتله، أو أشوّهه، إلّا أنّني كنت أتوقف في آخر لحظة».
هدى ليست حالة استثنائية فمثيلاتها كثيرات، ولعل النساء اللواتي يفُقنها تعنيفاً لم يجدن السبيل لعرض آلامهن «لأن عمل بعض الجمعيات أقرب إلى الشكلي منه إلى العمل المتقن والجدي»، بحسب المنسقة الاجتماعية في الجمعية اللبنانية لمناهضة العنف رغدة غملوش.
تشرح غملوش المحاور التي تعمل عليها الجمعية، والتي تتعدد بين الاستماع والإرشاد. تقوم اختصاصيّات اجتماعيات بالاستماع إلى النساء المعنَّفات، وتقديم عدد من الاستشارات، وفي حال اتصال قضية إحداهن بقانون العقوبات فإن الجمعية توكل أحد محاميها للدفاع عنها، أو ترفع دعوى لها، كما تغطّي الجمعية «جزءاً يسيراً من التكاليف، أضف إليها جلسات المعالجة النفسية»، التي تستفيد منها المعنَّفات وأبناؤهن، كما تعمل الجمعية على حملات التوعية على العنف من خلال الندوات والنشاطات الإعلانية، ومنها حملة «جنسيتي» التي تطالب بحق المرأة اللبنانية في منح الجنسية لزوجها الأجنبي وأولادها.
أما جمعية «مريم ومرتا»، فتقوم بتأمين مسكن مؤقت لحالات تتنوّع بين المكتومة القيد أو الخارجة من السجن أو الأم العزباء، وذلك ريثما تؤتي البرامج التأهيلية، التي تبدأ بالتأهيل النفسي وتنتهي بالتأهيل المهني والاجتماعي، ثمارها. كما يقول مدير الجمعية الخوري عبدو ابو خليل.
تشرح غملوش الانطباع الأول لدى النساء المعنفّات عن الجمعيات، التي تُعنى برعايتهن قائلة «إن معظم النساء يعتقدن بأن الجمعية هي أشبه بمكتب طلاق، وهو ما يدفعنا إلى إيجاد تسوية بين الطرفين، عبر جلسات نقاش أو تعهّد خطي من الزوج بعدم التعرض للزوجة. إلا أننا غالباً لا نستطيع التواصل مع الزوج نتيجة القطيعة النهائية بين الطرفين».
أما أبو خليل، فيؤكد «أن المرأة في أولى مراحل التأهيل تكون متخوّفة ومتأزمة كثيراً، إلا أنها لا تلبث بعدها أن ترتاح للمكان والأشخاص»، فالجمعية برأيه «تعمل على تعزيز ثقة المرأة بذاتها وبالجماعة، لتصبح قادرة على تسيير شؤونها والتواصل مع مجتمعها، وهو ما يمكّنها من الانخراط مجدّداً في المجتمع والتصالح معه».
وهو ما تؤكده غملوش، مشيرة إلى النتيجة الإيجابية التي تعود بها جلسات المعالجة النفسية والحوار بين الزوجين إن حصلت «فمعظم النساء اللواتي خضعن لجلسات الاستماع والإرشاد استطعن معالجة جزء مهم من مشكلاتهن الزوجية».
تواجه الجمعيات المعنية صعوبات كثيرة تراوح بين المشكلات المادية وصولاً إلى العائق الأساسي المتمثّل «بالنصوص القانونية وطول الإجراءات وكلفتها الباهظة على المرأة، وهو ما يحول دون استمرارها في متابعة شكواها».
لكن العقبة الأهم هي أنه «حتى اليوم لا يوجد في لبنان قانون يحمي النساء من العنف»، حسب المحامية رنا شمس الدين. «فالقانون اللبناني يعاقب على العنف الجسدي، لا النفسي، من دون التفريق بين المراة وسواها». أما عن العنف الجنسي، فتقول «النصوص تلاحق الفاعل بجرائم الاغتصاب والخطف والحضّ على الفجور، وقانون العقوبات يفتقر إلى أحكام خاصة بالعنف ضد المرأة». كما ترى أن القانون اللبناني «كرّس العنف والتمييز ضد المرأة، فالعقوبة المفروضة على الزاني هي من شهر إلى سنة، فيما عقوبة الزانية هي الحبس من 3 أشهر إلى سنتين. وهي تُعتبر زانية سواء أحصل الزنا في المنزل الزوجي أم في أي مكان آخر، بينما لا يعاقب الزاني إلا إذا تم فعل الزنا في المنزل الزوجي أو إذا اتخذ له خليلة جهاراً».