خضر سلامةصادف يوم الخميس الماضي (9 تشرين الأول) اليوم العالمي للصحة العقلية، المخصص للعناية والتوعية على الأمراض العصبية والنفسية التي تصيب الإنسان وتؤثر على صحته. عام 1992 اختار الاتحاد العالمي للصحة العقلية الاحتفال بهذا اليوم، وهو اتحاد يضم 150 دولة حول العالم، عام 1992. هذا العام، أعلنت منظمة الصحة العالمية من جنيف، أرقاماً مقلقة عن واقع الصحة العقلية في العالم، والهوة الموجودة في العناية بالمصابين بالاعتلالات بين عالم الشمال والدول النامية، حيث إن 75% من المرضى المصابين بخلل عقلي، لا يتلقون أي علاج، و90% من المصابين بالصرع في أفريقيا تغيب عنهم كل أنواع العناية والرعاية الطبية، بينما لا يكلف دواء هذا المرض أكثر من 5 دولارات سنوياً.
المديرة العامة للمنظمة مارغريت شان، طالبت الحكومات العالمية بالنظر إلى الصحة النفسية كجزء أساسي ومفصلي من الصحة العامة، وقالت: «نحتاج إلى تغيير جذري في السياسات الصحية والتطبيق العملي على الأرض، من أجل تأمين الخدمات اللازمة لسد حاجات 10 ملايين ممن يعانون نقصاً في رعاية أمراضهم العقلية حول العالم».
منظمة الصحة طالبت من جهة أخرى المؤسسات الرسمية بدعم برنامجها المخصص لهذا القطاع الصحي، البرنامج mhGAP، المتخصص في متابعة الأبحاث والدراسات، وتأمين الأدوية والعقاقير الملائمة، والقيام بالإحصاءات المطلوبة لتنظيم العمل، البرنامج الذي توصل القيمون عليه إلى أن عملاً جاداً فيه، مع وجود رعاية مهمة، ومساعدة اختصاصيين نفسانيين، ومواظبة على الدواء، فإنه يمكن أن يعالج عشرات الملايين من المصابين بالشيزوفرينيا، والاكتئاب، والصرع، ومداواة الرغبة بالانتحار أيضاً، والبدء بحياة صحية.
وحسب إحصاءات هذا البرنامج، فإن أقل من 2% من ميزانية الصحة العامة، تصرف على تمويل حاجيات الصحة العقلية، في معظم بلاد العالم، ما يثير العجز الكبير في ميزان العرض والحاجة، في وقت يعجز نصف المصابين بالاكتئاب الحاد، وثلاثة أرباع المدمنين بالأمراض التي تقود إلى الإدمان، وثلث المصابين بالشيزوفرينيا، عن الحصول على فرصة علاج بسبب الصعوبات المالية أحياناً، وعدم وجود هذه الفرص من أصلها من ناحية أخرى، هذه الأمراض كلها تقود إلى انتحار شخص كل أربعين ثانية حول العالم.
إلا أن الوضع ليس مأساوياً كثيراً، حيث برزت إشارات إيجابية عدة، ففي الصين مثلاً، نُظّم برنامج حكومي لمواجهة داء الصرع، حيث استُحدث دواء رخيص غير مكلف، وبدأ توزيعه في ست مقاطعات، قبل أن يتوسع إلى 15 مقاطعة، عولج على أثره الآلاف على يد مختصين مدربين في البرنامج المخصص لتأهيلهم، وفي تشيلي، أُنشئ فرع خاص داخل مؤسسة العناية الرسمية، لمواجهة الاكتئاب، وفتح فرص المعالجة المختصة المراقبة من جانب الكفاءات العاملة في هذا الحقل.
برنديتو ساراكينو، مدير قسم الصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية، شدد على أهمية وجود أرضية ثابتة وقيمة لمواجهة المخاطر الصحية العقلية، «علينا تأمين العمل اللوجستي، كتوفير دواء وعناية مختصة، التأكد من حصول المريض على حقوقه المدنية والاقتصادية التي نصت عليها حقوق الإنسان، لكسر حاجز الإهمال والنبذ الذي يعانيه في معظم الأحيان».
البرنامج نص أخيراً على وضع استراتيجيات محددة لتفعيل علاج الخلل النفسي، وخلل الأعصاب، ومشاكل الإدمان، هذه الاستراتيجيات شملت تأمين احتياجات البلدان النامية وخلق موارد ثابتة، العمل على تطوير الوعي الرسمي والتشريع القانوني لحقوق المصابين بالاعتلالات النفسية، ورفع الموارد البشرية والمادية للبرنامج، هذه النقاط الثلاث، تحتاج حسب المنظمين إلى تعاون واسع بين المنظمات والحكومات والمجموعات الاجتماعية، من أجل إنهاء حالة التعتيم على الصحة النفسية للمواطن ومحاربة أمراض الأعصاب، وتسليط الضوء على قضايا الإدمان والخلل في تعاطي العقاقير، التي تعود بمعظمها لمشاكل نفسية أيضاً.