حين تجمع القضاة»، هو عنوان المؤتمر الاقليمي الذي عقد يومي 10 و11 تشرين الأول في بيروت وضم نخبة من القضاة والمفكرين المهتمين بالشأن القضائي في عدد من الدول العربية. تناول المؤتمر موضوع التجمعات القضائية في تونس والمغرب والجزائر والعراق، متوقفاً خاصة عند التجربة العريقة لتجمعات القضاة في مصر
ماري روز زلزل*
حق القضاة في التجمع وإبداء الرأي هو في صميم المسار الديموقراطي حيث القضاء سلطة مستقلة، لها دور أساسي في تعزيز الديموقراطية وفي إقامة دولة الحق والقانون والمؤسسات. شهدت السنوات الماضية دعوات عديدة لإصلاح الأنظمة العربية، وكانت السلطة القضائية المستقلة هي موضع الرهان. غير أن القيود القانونية وتدخّل السلطة التنفيذية في القضاء، فضلاً عن الفساد الذي أصاب بعض الجسم القضائي، وضعت أكثر من علامة استفهام على قدرة القضاء على القيام بدور ريادي في الإصلاح والتحول الديموقراطي.
هل تعدّ التجمعات القضائية آلية في سياق تعزيز استقلالية القضاء، بما هي إصلاح من الداخل، أم أن الفساد السياسي العام والثقافة المصاحبة له تنتصر عليه، فيبقى القضاء من أدوات التسلط والقمع، وتغلب على التجمعات القضائية المصالح الخاصة والفئوية؟
حاول المؤتمر الإضاءة على مبادرات القضاة الى التجمع في إطار السعي الى استقلالية السلطة القضائية، وأظهر التباين في فاعليتها حسب النظام القانوني، والضغط الممارس عليهم، وأيضاً وخاصة، بحسب قوة عزيمة القضاة أنفسهم ونزاهتهم.
في تونس، أنشئت أول جمعية للقضاة عام 1946 تحت تسمية «ودادية الحكام» للدفاع عن الحقوق المادية للقضاة، ثم أسّست عام 1971 «جمعية القضاة الشبان» التي انتهجت تجاه السلطة الجرأة والتحدي، فكان إضراب نيسان/ أبريل 1985، الذي سارع وزير الداخلية على أثره الى حل الجمعية. وبدأ السعي الى إيجاد إطار موحد لعمل القضاة، فكان أن طوّرت الودادية نظامها وأهدافها، وأصبحت تعرف بتسمية «جمعية القضاة التونسيين». لم تلتزم الجمعية في بيانها الصادر في شباط/ فبراير 1990 بمبدأ استقلال القضاء فقط، لكن أيضاً بجملة من ضمانات قضائية تتعلق بالبنية القضائية وبالآليات التي تحمي القضاء من تدخل السلطات الأخرى. انفجرت «محنة القضاء التونسي» خلال 2005/2006 ولم يكن حسمها لمصلحة الجمعية، فالسلطة التنفيذية ما زالت قادرة على التحكم بالسلطة القضائية من خلال قوانين وإجراءات تعسفية.
التجربة المغربية تعود الى أوائل الستينيات عند تأسيس «رابطة القضاة». لم يبق أي وثيقة تشير الى عمل هذه الرابطة بالرغم من استمرار عملها حتى الثمانينيات. وتغير اسم الرابطة فأصبح «الودادية الحسنية للقضاة» نسبة الى الملك الراحل الحسن الثاني؛ وغني عن التذكير الدور الذي اضطلع به القضاء في تلك الحقبة كجهاز لتصفية الحسابات السياسية.
لم يكن القضاء ليسلم بهذا الظلم الذي يرتكب ضده وباسمه، بل عرف انتفاضات عدة عبّر فيها عن غضبه ولا سيما عام 1999 عندما تعرض القضاء لحملة تشهير على لسان وزير العدل، فتدخل الملك شخصياً لفض النزاع!
عام 2001 تأسست الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، وضمّت قضاة ومحامين وناشطين في المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن عملها اقتصر على إقامة الندوات الا أن المضايقات التي تعرض لها أعضاؤها حملت القضاة منهم الى الخروج منها. وفي 2003 تململ القضاة ووجهوا عريضة الى الملك احتجاجاً على اعتقال خمسة من زملائهم دون مراعاة الإجراءات القانونية وإحالتهم على محكمة خاصة بقضايا رشوة الموظفين العموميين.
قد تكون تجربة التجمعات القضائية المصرية هي الأكثر فاعلية في نضالها في سبيل استقلالية القضاء بوصفه أساس التحول الديموقراطي. أنشئ نادي قضاة مصر عام 1939 بهدف «توثيق رابطة الإخاء والتضامن وتسهيل سبل الاجتماع والتعارف بين جميع رجال القضاء». تعرّض النادي للعديد من الضغوط السياسية كان أبرزها ما سمّي في حينه «مجزرة القضاء» عام 1969 حين حلت الهيئات القضائية وأعيد تشكيلها باستبعاد 200 قاض من أعضاء النادي. ويسجل لمحكمة النقض إصدار أحكام بعودة العديد من المستبعدين، فيما عاد آخرون بموجب قانون خاص.
وفي عام 2006 بلغ التوتر ذروته بين الحكومة ومجلس القضاء الأعلى من جهة وبين نادي القضاة من جهة ثانية على خلفية إحالة قاضيين الى المحاكمة التأديبية لما نسب لهما من تصاريح انطوت على إدانة التجاوزات الحاصلة أثناء الانتخابات التشريعية. وقد كان لنادي القضاة مساهمات في حركة الإصلاح في مصر من أبرز عوامل نجاحها: ربط القضاة بين مطلبهم بدعم استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات باعتبارها السبيل الى الإصلاح الشامل في مصر، استفادتهم من المناخ الدولي الضاغط باتجاه إجراء إصلاحات سياسية، تعاطف المجتمع المدني المعني بقضايا الديموقراطية وحقوق الانسان، ودور وسائل الإعلام في نقل مطالب القضاة الإصلاحية الى الرأي العام.
* محامية وباحثة قانونية


الخروج عن الصمت