خالد صاغيةلمناسبة الأزمة الماليّة العالميّة، نشرت إحدى المجلّات الأميركيّة ملصقاً قديماً يظهر فيه طابور من المواطنين الأميركيّين ينتظرون حصّتهم من الماء والطعام خلال الأزمة الاقتصاديّة الكبرى التي اندلعت عام 1929 وامتدّت سنوات طوالاً، وفي خلفيّة الصورة تبدو عائلة أميركيّة سعيدة داخل سيّارة كُتب فوقها شعار «المستوى المعيشي الأعلى في العالم». إنّه الحلم الأميركي أمام الواقع المتكسّر. الحقيقة أنّ الشعب الأميركي قد شعر دائماً بأنّه يتمتّع بالعيش في اقتصاد مميّز. حتّى بعد خروجه من الأزمة الكبرى، وفّرت سياسة «الصفقة الجديدة» تقديمات لا بأس بها للطبقة العاملة. عرف المجتمع الأميركي نموّاً متصاعداً ورواتب متصاعدة أيضاً. بدا، لوهلة، أنّه لا مكان لأطروحات الصراع الطبقي داخل أراضي الولايات «المتّحدة» ضدّ «إمبراطوريّة الشرّ» السوفياتيّة.الأميركيّون عن الحديث عن الاستثناء الأميركي. «ذير إيز نو واي لايك ذي أميريكان واي».
حين أطلّت السبعينيات، بدأ شبح الانكماش يخيّم على الاقتصاد العالمي. لكن لم يكن أحد يريد التصديق أنّ النموذج الأميركي معرّض للاهتزاز. حتّى حين بات واضحاً أنّ تربُّع الولايات المتحدة وحيدةً على عرش إمبراطوريّة العالم يترافق مع خفض القدرة الشرائيّة لطبقتها العاملة، كان لا بدّ من ابتداع وسيلة تقنع المواطن ذا الدخل المحدود بأنّ الحلم الأميركيّ لم يسقط، وأنّ الدخل الذي تناتشته عوامل التضخّم، والتقديمات الاجتماعية التي قلّصتها سياسات النيوليبراليّة، لن تؤثّر على «المستوى المعيشي الأعلى في العالم».
قُدِّم «الكريديت كارد» كحلّ لكلّ هذه التناقضات. بطاقةٌ مُمَغْنَطة تسمح لك بشراء ما تريد، والدفع مؤجّل. وبات المواطن لا يُعرَّف ببطاقة هويّة، أو بشجرة العائلة، بل بالـ«كريديت هيستوري»، أي السجلّ الكامل لاستخدام هذه البطاقة. امتدّت ثقافة «الكريديت كارد» لتشمل أنواعاً أخرى من «الكريديت» أو القروض. فما دام المرء يستطيع أن يقترض لشراء ما يحتاجه من «المول»، فلمَ لا يقترض لشراء منزل لا يمتلك شيئاً من ثمنه؟
كان لا بدّ من أن يأتي يوم تنكشف فيه اللعبة. ومن المهمّ ألا نُغفل أنّ ثقافة الاقتراض تلازمت مع الصعود النيوليبرالي، وازدهرت بتشجيع من الدولة التي سلبت الطبقة العاملة حقوقها، وأعطتها في المقابل بطاقة ممغنطة.