عام 1923 استُعملت أول طائرة drone (أي طائرة بلا طيار)، لكن الجيش الفرنسي أعلن حينها أنها سلاح بلا أية فائدة... اليوم بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً، تتنوع أنواع هذه الطائرات، وهي بفضل التطويرات التكنولوجية التي تخضع لها تُسمى «سلاح الحروب المقبلة»

«إنها الساعة الثامنة والنصف صباحاً، الجنود الأميركيون لديهم شكوك كثيرة حول القاطنين في مبنى قرب فندق فلسطين، لا حاجة لإرسال قوة مؤللة، طائرة بلا طيار تحلق فوق المبنى، تصل إليه خلال ثوانٍ معدودة، وترسل صوراً دقيقة عن المبنى وكل من وما فيه... وتنقذ الجنود من موت محتوم كان ينتظرهم، فالمبنى يحوي متفجرات معدة للتفجير فور قدومهم»، هذا السيناريو يتكرر في عدد من الأفلام الروائية والوثائقية الأميركية ليعكس أمرين: الأول حلم تخليص الجنود الأميركيين الذين كانوا (حتى نهاية 2007) غارقين «في مستنقع العراق». أما الأمر الثاني فإنه يعكس حقيقة التطورات التكنولوجية التي تشهدها صناعة الطائرات بلا طيار، أي الطائرات التي يجري التحكم بها عن بعد، كما يمكن أن تشتغل أوتوماتيكياً. وتبيّن آخر الإحصاءات ـــ كما نشرتها مجلة Futura Science ـــ أن الجيش الأميركي يمتلك في العراق وحده 360 طائرة drone.
يمكننا القول إن كبار المهندسين والمبرمجين في كبريات الشركات التكنولوجية يتلقون عروضاً «خيالية» من شركات أميركية وأوروبية عدة للعمل على تطوير طائرات drone في المرحلة الحالية، سمحت التطورات التكنولوجية والعلمية عامة لهذه الطائرات بأن تقوم بمهمة معقدة، كتعقب هدف ما أو الإبحار في موقع مسكون وفيه مبان مرتفعة، وذلك بفضل تقنية GPS أو «Global Positioning System» (نظام تحديد الموقع الجغرافي من خلال الأقمار الاصطناعية).
طائرات drone متنوعة أشهرها أربع: Hale، Male، طائرات القتال، طائرات الاستخدامات الداخلية.
Hale طائرة «عملانية»، فهي تطير على ارتفاع عالٍ (10 إلى 20 ألف متر) وقد تقوم بمهمة تستمر من 24 إلى 36 ساعة، ولكن تكاليفها باهظة جداً، واستخداماتها قليلة، إذ إنها تحدد فقط أهدافاً استراتيجية.
Male تطير على ارتفاع متوسط (يتراوح بين 5 و10 آلاف متر)، وبسرعة تتراوح من 250 إلى 350 كم في الساعة، أي إنها بسيطة نسبياً لكنها قادرة على إتمام مهمة طويلة قد تستمر من 10 إلى 24 ساعة. تُستخدم لمهمات المراقبة والتعرف على الهدف لتحديد موقعه. التطورات الأخيرة سمحت لهذه الطائرة القيام ببعض الخطوات العملية أوتوماتيكياً، كالإقلاع والهبوط ومتابعة خط الطيران، أو تغيير هذا الخط أحياناً. يبلغ سعر الطائرة Male حالياً 10 ملايين دولار، وتستخدم إسرائيل والولايات المتحدة هذه الطائرات في مهمات عدائية منذ منتصف التسعينيات، وفي 18 آذار الماضي ثم في 20 نيسان، ضرب جنود في أبخازيا طائرتي Male تابعتين للقوات الجورجية، وتبيّن أنهما إسرائيليتا الصنع.
نجاح Male لا يلغي حاجات الدول الملحة لطائرات drone الحربية، ونعني هنا بالطبع الدول التي تقوم بحملات عسكرية واحتلالات لدول أخرى. لذا يبدو أن السؤال الذي يشغل إدارات الشركات المنتجة لهذه الطائرات هو الآتي: هل يمكننا التوصل إلى تقنيات عالية تسمح بإنتاج طائرات drone فائقة الذكاء، وتتمتع بقدرة على القيام بمهمات طائرات القتال العادية (أي مع طيار) كـ Rafale أو Mirage؟
وفي هذا الإطار، يُذكر أن الطائرات القتالية العادية تخضع لبعض القيود المتعلقة بسلامة الطيار وقدرته، أو القدرة البشرية على تحمل ظروف الطيران والارتفاعات، ومنها حجم كرسي الطيار، كمية الأوكسيجين التي يتوجب أن يتنفسها، شاشة القيادة وأجهزة التحكم بالطائرة، والسرعة المسوح بها التي لا تضر بالطيار، كل هذه الأمرو إذا استُغني عنها فإن ذلك يسمح بالاستغناء عما يساوي وزنه نحو 40% من حجم الطائرة.
إلا أن العقبة الرئيسية، وشبه المستعصية، التي تواجه مطوري طائرات drone، تتمثل بصعوبة وضع برنامج تكنولوجي يسمح بالتحكم بدقة بالمهمات العسكرية ومهمات التحليق والطيران كما يفعل أي طيار متمرّس. لكن الدول المعنية لم تستسلم بعد، ويجري العمل للتوصل إلى برامج دقيقة، فقط طوّرت الولايات المتحدة الأميركية نموذجين ذكيين من طائرات drone، الأول هو X-45C الذي أتم مهمته الأولى عام 2002، والثاني هو X 45 B، ولكن النتائج لم تأت متوافقة مع آمال مصنعي الطائرتين، وتعمل فرنسا حالياً بالتعاون مع 5 دول أوروبية لتطوير طائرة drone فائقة الذكاء، ومن المتوقع أن تنتهي التجارب عام 2010.
من جهة أخرى، فإن طائرات Male لا يمكن أن تقوم بمهمات في رحلات قصيرة، لذلك تهتم حكومات بعض الدول بتشجيع الطائرات التي تستعمل لمهمات داخلية (داخل حدود كل دولة). فالطائرات «الداخلية» الموجودة في الأسواق ذات حجم صغير جداً، وهي لا يمكن أن تحمل داخلها ما يزيد وزنه عن كيلوغرام، كما أن تقنياتها ليست متقدمة، وأعطالها كثيرة، وهنا بالطبع يبرز همّ تطوير برامج خاصة بها تطوّر أداءها.
(الأخبار)